مع الحديث الشريف
الهدى والضلال
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» رواه مسلم.
شرح الحديث:
«بادروا بالأعمال الصالحة»: أي ائتوا بالعمل الصالح، وابتدروا إليه قبل ظهور المانع من الفتن، فهو قريب من الحديث: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
ثم وصف الفتن المانعة من كمال العمل أو من أصله بأنها, «كقِطَع»: بكسر ثم فتح جمع قطعة أي طائفة, «الليل المظلم»: أي كلما ذهب ساعة منه مظلمة عقبتها ساعة مثل ذلك، قال في النهاية: “أراد فتنة سوداء تعظيمًا لشأنها وفي الحديث إشارة إلى تتابع الفتن المضلة آخر الزمان، وكلما انقضى منها فتنة أعقبتها أخرى، وقانا الله من الفتن بمنّه وكرمه”.
«يصبح الرجل مؤمنا» أي باقيًا على إيمانه الذي كان عليه, «ويمسي كافرًا»: يحتمل الكفران بالنعم لما يداخله من المعاصي المبعدة من ساحة الشكر، ويحتمل الكفر الحقيقي، قال القرطبي: “ولا يمتنع حمله على ذلك لأن الفتن إذا تراكمت أفسدت القلب وأورثته القسوة والغفلة التي هي سبب الشقاء”. «بعرض»: متاع وحطام, «من الدنيا»: أي أخذ العرض في مقابلة دينه بأن يأخذ أو يستحل مال أخيه المسلم أو يستحل الربا والغش أو نحوه مما أُجمع على تحريمه وعلم من الدين بالضرورة، قال القرطبي: “ففي الحديث التمسك بالدين”.
التعليق:
إن هذا الحديث يشير إلى تقلب حال الإنسان، لكثرة الفتن التي قد تدفعه للانحراف عن الصراط المستقيم، إلى الليل المظلم، إلى طريق الكفر والشيطان، من مكان يرى فيه كل شيء بوضوح من كافة الجهات، إلى مكان لا يستطيع فيه التمييز. وما يجعل حال الإنسان يتغير هو مغريات دنيوية تقف أمام الإنسان، فتجعله يقدمها على أن يبقى على حاله، وهي كثيرة، تجعل الإنسان يندفع نحوها بسهولة إذا لم يضبط نفسه بعقله، ولم يحكم عليها بالميزان الشرعي السليم.
إن متاع الدنيا يقف دائمًا عقبة أمام الإنسان، لكن العين البصيرة والعقل السليم لا تمنحه أكثر من قيمته، فنحن المسلمون نعي ونعلم أن المال والبنون من الفتن التي تغير الإنسان، وتحرفه عن الصراط المستقيم، وتودي به إلى النار. فعلينا أن نحيط أنفسنا بما يحمينا من التغير إلى الأسوأ، وأن نحكّم الشرع، وليس العواطف والنزعات الشخصية، حتى ننجو من الفتنة. فالله نسأل أن يهدينا ويثبتنا على ما يحب ويرضاه، على الصراط المستقيم المنجي من العذاب العظيم.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح