تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الخامسة والخمسون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو: “الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين” ذكرنا في الحلقة السابقة صورا من رحمة الصحابة بعضهم ببعض، وبقي أن نذكر في حلقتنا هذه، بعض الصور من شدة وغلظة وعزة المسلمين على الكفار:
الأولى: في القتال: حديث وحشي عند البخاري قال وحشي: “إن حمزة قتل طعيمة بن عدي ببدر، قال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، فلما خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بجبال أحد، بينه وبينه واد، خرجت مع الناس إلى القتال، فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال: يا سباع، يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب. قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي”. ومن صور شدة وغلظة المسلمين على الكفار مبارزة كل من حمزة، وعلي، والبراء، وخالد، وغيرهم.
الثانية: في المفاوضات: حديث المسور بن مخرمة ومروان عند البخاري وفيه: “فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإني والله لأرى وجوها، وإني لأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات! أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك! قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما تكلم أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال له: “أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم”. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة”. وكان فعل المغيرة وقوله، وقول أبي بكر، على مرأى ومسمع منه صلى الله عليه وسلم فسكت، وسكوته إقرار.
وذكر الواقدي في المغازي قال: “وقد أحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأحضر الصحيفة والدواة وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصحيفة وهو يريد أن يكتب الصلح بينهم وعباد بن بشر قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنع في الحديد. فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدري بما كان من الكلام فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء عيينة مادا رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم ما يريدون فقال: يا عين الهجرس، اقبض رجليك أتمد رجليك بين يدي رسول الله؟ ومعه الرمح. والله لولا رسول الله لأنفذت خصيتيك بالرمح، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف! متى طمعوا بهذا منا؟”.
وهناك مفاوضات منثورة في بطون الكتب، لثابت بن أقرم، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقتيبة، ومحمد بن مسلم، والمأمون وغيرهم، كلها تنطق بالعزة والقدوة للعاملين.
الثالثة: في التعامل مع ناقضي العهد: قال سبحانه: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون. الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون. فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون}. (الأنفال57).
حديث أبي هريرة عند مسلم في فتح مكة بعد أن نقضت قريش العهد وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش؟”. قالوا: نعم. قال: “انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا”. وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله وقال “موعدكم الصفا”. قال: فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه …”.
حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: “حاربت النضير وقريظة فأجلى صلى الله عليه وسلم بني النضير، وأقر قريظة، ومن عليهم، حتى حاربت قريظة فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين، إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنهم، وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكل يهود المدينة”.
أجل أيها المسلمون هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان أصحابه y أشداء على الكفار في القتال، وفي المفاوضات، وفي التعامل مع ناقضي العهد. فكونوا مثلهم في الالتزام بأحكام الإسلام، ليرضى عنكم رب الأنام، ويعزكم كما أعزهم، وينصركم كما نصرهم!
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبـه بالكـرام فلاح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي