بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الثالثة والستون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو: “الشوق إلى الجنة، واستباق الخيرات”. فإذا أدى العبد ما افترضه الله عليه، وأتبعها بالمندوبات وتقرب إلى الله بالنوافل تقرب الله منه وأحبه. ومن هذه المندوبات والنوافل:
سابع وعشرون: الستر على زلات المطيع الخاصة: قلنا في الحلقة التي سبقت: إن الذي يفعل المعصية مستترا مستسرا بها محاولا إخفاءها يستر عليه, وقلنا أيضا: إن المجاهر الوقح لا مجال لستره لأنه يفضح نفسه، ويكشف ستر الله عنه، وفعله هذا حرام.
وبالتالي يجدر التنبه إلى أنه لا يلزم من عدم الستر التشهير المنهي عنه، إلا من جاهر بالمعصية فإنه يجوز التشهير بفسقه, وقد نبه إلى ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- حينما قال: إذا كان الرجل معلنا بفسقه فليست له غيبة”. وفي المقابل لا يفهم من الستر في عدم إظهار الذنب أمام الناس نسيان الإنكار على المخطئ, بل يجب على المحتسب بيان قبيح عمله, وتوجيهه للصواب والأخذ على يده. ولله در الشاعر حيث قال:
فـإن كان ذا حقـا فإن حياتنـا كما قيل ستر والردى كشف الستر
يقول المفكر الإسلامي الأستاذ سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن: “إن إشاعة أخبار الأفراد السيئة أو تجريحهم يترك المجال واسعا بعد ذلك لتجريح كل أفراد المجتمع، فتصبح الجماعة بمجموعها ذات سمعة ملوثة, وكل فرد فيها مهددا بالاتهام، وفوق ذلك فإن اطراد التهم يوحي بأن جو الجماعة ملوث, وصفها غير نظيف، وجوها آسن، وبعد ذلك تهون التهم في حس الأفراد، وتقل بشاعتها بكثرة الترداد، والجماعة المسلمة لا تخسر بالسكوت عن تهمة غير محققة، كما تخسر بشيوع الاتهام والترخيص فيه، وعدم التحرج من الإذاعة به، وتحريض الكثير من المتحرجين على ارتكاب الفعلة التي كانوا يستقذرونها، ويظنون أنها ممنوعة أو نادرة الوقوع, وفوق ذلك الآثار المترتبة عليها في حياة الناس”.
روى أبو داود أن عقبة بن عامر رضي الله عنه كان له كاتب، وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر فقال يوما لعقبة: إن لنا جيرانا يشربون الخمر، وسأبلغ الشرطة ليأخذوهم، فقال له عقبة: لا تفعل وعظهم، فقال الكاتب: إني نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داع لهم الشرطة. فقال عقبة رضي الله عنه: ويحك, لا تفعل؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة”.
وورد أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس بين مجموعة من أصحابه، فأخرج أحد الحاضرين ريحا، فأراد عمر أن يأمر صاحب ذلك الريح أن يقوم فيتوضأ فقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، أيتوضأ القوم جميعا؟ فسر عمر بن الخطاب من رأيه, وقال له: رحمك الله! نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام!
أجل أيها المؤمنون, هذه هي الجنة أو الجنات التي أعدها الله جل في علاه لعباده المؤمنين, وهذه هي السبل الموصلة إليها, سقناها إليكم بشيء من التفصيل, فشمروا عن ساعد الجد, وكونوا من عباد الله الصالحين المخلصين, وجدوا واجتهدوا في طاعة الله ورسوله, وفي الصبر على المكاره, وتنافسوا في طلبها, فهي غالية وتستحق أن يضحى من أجلها بالغالي والنفيس. ولله در الشاعر حيث قال:
تهـون علينـا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي