Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة السابعة والستون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة السابعة والستون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو: “الشوق إلى الجنة، واستباق الخيرات”. فإذا أدى العبد ما افترضه الله عليه، وأتبعها بالمندوبات وتقرب إلى الله بالنوافل تقرب الله منه وأحبه. ومن هذه المندوبات والنوافل:

ثامن وعشرون: العفو وكظم الغيظ واحتمال الأذى: قال تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}.         (آل عمران134) وقال: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. (الشورى43) وقال: {فاصفح الصفح الجميل}. (الحجر85) وقال: {وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف199). وقال: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}. (النور22). وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما نقصت صدقة من مال, وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا, وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”. وروى أحمد بإسناد جيد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون”. وروى أحمد بإسناد رجاله رجال الصحيح عن عبادة بن الصامت قال: “ما من رجل يجرح في جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق به”. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”. وروى مسلم عن أبي هريرة “أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلى وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال “لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك”. وأخرج البرجلاني بإسناد صحيح عن سفيان بن عيينة، قال: “مر عمر بن ذر يوما برجل يقع فيه، فقال له: “يا هذا، لا تغرق في شتمنا, ودع للصلح موضعا، فإنا لا نجد مكافأة من عصى الله فينا, بمثل أن نطيع الله فيه””.

تاسع وعشرون: الإصلاح بين الناس: قال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}. (النساء114). وقال: {والصلح خير}. (النساء128) وقال: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}. (الأنفال1) وقال: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}. (الحجرات10). وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل سلامى من الناس عليه صدقة, كل يوم تطلع فيه الشمس  تعدل بين الاثنين صدقة, وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها, أو ترفع له عليها متاعه صدقة, والكلمة الطيبة صدقة, وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة, وتميط الأذى عن الطريق صدقة”. ومعنى تعدل بين الاثنين: أي تصلح بينهما بالعدل. وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا”. متفق عليه.

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر -وفي رواية البخاري شيء- فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه …” متفق عليه. وروى أحمد وابن حبان في صحيحه والترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة”.

ثلاثون: زيارة القبور: روى مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى, وأبكى من حوله فقال: “استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت”. قوله صلى الله عليه وسلم “فزوروها” أي القبور.

واحد وثلاثون: المداومة على العمل: والمقصود هنا الأعمال المندوبة، أما المفروضة فهو ملزم بها, ولا ترد هنا. فمن اختار سنة من هذه السنن فليداوم عليها وإن قلت. أخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة, قال: من هذه؟ قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: مه, عليكم بما تطيقون, فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه”. متفق عليه. وأخرج البخاري ومسلم عن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل”. متفق عليه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “أنه خطب الناس؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، وإن المضمار اليوم وغدا السباق، ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل، فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله؛ فقد خيب عمله، ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها، ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقم به الهدى جار به الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد، ألا أيها الناس إنما الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، ألا إن {الشيطن يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله وسع عليم}. (البقرة268) أيها الناس! أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم؛ فإن الله تبارك وتعالى وعد جنته من أطاعه, وأوعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا يفك أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل”.

أجل أيها المؤمنون, هذه هي الجنة أو الجنات التي أعدها الله جل في علاه لعباده المؤمنين, وهذه هي السبل الموصلة إليها, سقناها إليكم بشيء من التفصيل, فشمروا عن ساعد الجد, وكونوا من عباد الله الصالحين المخلصين, وجدوا واجتهدوا في طاعة الله ورسوله, وفي الصبر على المكاره, وتنافسوا في طلبها, فهي غالية وتستحق أن يضحى من أجلها بالغالي والنفيس. ولله در الشاعر حيث قال:

تهـون علينـا في المعالي نفوسنا          ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر   

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي