الصائم مع القرآن والسنة
الصائم والتقوى
يقول الحق جل وعلا في محكم آياته في أول سورة البقرة: (الم ، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ، أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
ذكرت الآيات الكريمات عددا من صفات المتقين الذين يهتدون بهذا الكتاب الذي هو القرآن الكريم، أولها الإيمان بالغيب الذي أمر الله تعالى أن نؤمن به، وثانيها أنهم يقيمون الصلاة، فيؤدّونها كما أمر الله تعالى، ويستمرون عليها، وعليها يحافظون، وثالثها أنهم ينفقون مما رزقهم الله، وكذلك يؤمنون بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزل على الرسل السابقين عليهم الصلاة والسلام، ثم هم يوقنون بالآخرة ويعملون لها، فكان خير وصف لواقعهم أنهم على هدى من ربهم، أي يسيرون بحسب ما أمر الله تعالى ملتزمين أوامره، ومجتنبين نواهيَه، وهذا هو الفلاح بعينه، الفوزُ في الدنيا والآخرة.
والأتقياء هم أولياء الله تعالى، قال سبحانه في سورة يونس: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فهم لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، أولئك هم المؤمنون المتقون، وهم الذين لهم البشرى الحسنة في الدنيا وفي الآخرة، وهو الفوز العظيم.
وأولياء الله الأتقياء يدافع الله تعالى عنهم، ويحارب من عاداهم، روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الله قال: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سَمْعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
والتقيُّ يجد من كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كلِّ كربٍ فرَجاً، ويرزقهُ اللهُ من حيثُ لا يتوقعُ ولا يحتسبٌ، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، بل ويجعلُ له كلَّ أموره سهلة ميسورةً، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، ففي التقوى مع القول السديد صلاح الأعمال، ومغفرة الذنوب، أما في الآخرة فـ (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) جنات تجري من تحتها الأنهار، لا ينقطعُ أكلُها، ولا ينحسرٌ ظلها، وكذلك فإن صداقةَ المتقين لا تنقلبُ عداوة كغيرها من الصداقات في الدنيا، كما في قوله تعالى: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ). ونختمُ بما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ما رواه عنه ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) رواه مسلم.
فمن أولى من الصائم بتقوى الله تعالى، وهو أقربُ ما يكون إليه في طاعته له بالصيام والقيام والذكر والاستغفار؟؟