الصائم مع القرآن والسنة
الصائم المتعاهد للقرآن
يقول الحق جلا وعلا في محكم تنزيله، وفي أوله: (الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)، إنه القرآن الكريم الذي لا ريب فيه، وهو الكتاب العزيز الذي: ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، وهو كلام الله تعالى الْمُتَعَبَّدُ بتلاوته، الذي يؤجر قارئه على كل حرف حسنة، فألفٌ حرفٌ وفيه حسنة، ولامٌ حرف وفيه حسنة، وميمٌ حرفٌ وفيه حسنة، وهو الذي يرتقي صاحبه درجةً بكل آية يتلوها يوم القيامة، فيقال له: (اقرأ وارْتَقِ كما كنتَ ترتّلُ في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها).
ومن أراد الرفعة والعزة فعليه بهذا الكتاب، يتعاهده بالتلاوة والتدبر والعمل بما جاء فيه، فـ (إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).
ومن أراد الشفاعة في الآخرة فعليه بالقرآن، فهو كما قال صلى الله عليه وسلم: (…شافع مُشَفَّعٌ، وماحلٌ مصدَّقٌ، من جعلَه أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار). وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
والقرآن الكريم يُخْرِجُ صاحبه من الظلمات إلى النور، فلا يعلمُ الإنسانُ ما يُصْلِحُهُ وما يُسعِدُهُ مِمَّا يُفسِدُه ويُشْقيهِ، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، فهل يكفي فيه مجردُ التلاوة؛ مع أنها مطلوبةٌ ومأجورٌ صاحبُها أجراً عظيماً؟ أم أن هناك أمراً آخرَ يجبُ على المسلم؟
يقول الله سبحانه وتعالى: (َأفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)، أمّا ثمرةُ التدبّر فهي الهداية المقصودة من القرآن الكريم، فإن لم نتدبّر آيات الله، فأنّى لنا أنْ نفهم مُرادَ ربنا سبحانه وتعالى منا؟ استمعْ لقوله تعالى: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، ومن قرأ القرآن وتدبّره وفهم آياته عمل بها وتلبّسَ بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فحكم به على نفسه، وعلى من يستطيع من أهله وأقاربه وأصحابه، ثم سعى إلى الحكم به على جميع الناس، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا)، وتأسّى برسوله صلى الله عليه وسلم، خيرِ مَنْ حَكَمَ بكتاب الله تعالى، وبما أوحى إليه ربه عز وجل.
والقرآن الكريم زاد المسلم، المؤمن، والصائم، يرافقه في أحايينه كلها، يقوّي به نفسيته وقربه من الله تعالى، ويديم اتصاله بالله تعالى عن طريقه، فهو حبل الله المتين، وهو كذلك ينمّي عقليّته، فيستقي منه المفاهيم الصحيحة عن الحياة والكون والإنسان، فيسير بها السير الصحيح، الذي يُرضِي به اللهَ سبحانه وتعالى، وبه يَسْعَدُ ويَهنأُ في عيشه، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو شفيعُه، وهو إمامُهُ الذي يقودُه للفوز برضوان الله، وفي العلا من الجنات.
فمنْ أولى من الصائم بتعاهد القرآن الكريم، يتلوه ويتدبّره، ويعملُ به، فإنْ كان الصومُ يمنعُه طعامَه وشرابَه وشهواتِه، فإن القرآن يمنعُه النوم في الليل، فيجمعُ شفاعة القرآن إلى شفاعة الصيام؟