Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” – الحلقة الثانية والثمانون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة الثانية والثمانون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

ثالثا: ومن الأخلاق الذميمة الفحش وبذاءة اللسان روى البخاري عن عائشة، رضي الله عنها، أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم, فقالت عائشة: عليكم, ولعنكم الله, وغضب الله عليكم, قال: مهلا يا عائشة, عليك بالرفق, وإياك والعنف والفحش قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في”.

وفي رواية مسلم عن عائشة قالت أتى النبي صلى الله عليه وسلم أناس من اليهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. قال “وعليكم”. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة لا تكوني فاحشة”. فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: “أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا قلت: وعليكم؟”. والسام: الموت. والذام: العيب. وقد حدث الأعمش بهذا الإسناد غير أنه قال: ففطنت بهم عائشة فسبتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش والتفحش”. وزاد فأنزل الله عز وجل {وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله}. إلى آخر الآية. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة فلما دخل ألان له الكلام قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام قال: “أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس، أو ودعه الناس اتقاء فحشه”. متفق عليه.

وعن عياض بن حمار المجاشعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: “إن الله عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا … ثم قال: أهل الجنة ثلاثة: إمام مقسط، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، ورجل غني عفيف متصدق، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعا الذين لا يبتغون أهلا ولا مالا، ورجل إذا أصبح أصبح يخادعك عن أهلك ومالك، ورجل لا يخفى له طمع وإن دق إلا ذهب به، والشنظير الفاحش، وذكر البخل والكذب. رواه النسائي في السنن الكبرى. والزبر: العقل, ومعنى الشنظير: سيئ الخلق. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما شيء أثقل من ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن, وإن الله ليبغض الفاحش البذيء” رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار”. رواه أحمد بإسناد رجاله رجال الصحيح، والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه والحاكم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء”. رواه الترمذي وقال حديث حسن. وفي موضوع الفحش وبذاءة اللسان تحضرني قصة سمعتها من أخي وصديقي ورفيق دربي في الدعوة أبي بسام رحمه الله وغفر له, أرويها لكم بكل صدق وأمانة, عسى أن ينفعني وينفعكم بها الله جل في علاه أقول وبالله التوفيق:

حدث ذات مرة في مطلع الستينات أن أحد اليساريين المرشحين لمجلس النواب في ولاية الأردن, وهو من حملة الشهادات العليا, وكان يقوم بأعمال دعائية في حملته الانتخابية, يروج فيها للفكر الشيوعي, فتصدى له أحد شبابنا ممن لا يحملون سوى الشهادة الابتدائية وممن ابتلي بإحدى عينيه, فهو يبصر بعين واحدة فقط, وكان المرشح يحدث الناس عن المعاهدة البريطانية, وفي نهاية حديثه فسح المجال أمام الحاضرين ليدلوا بدلوهم. فاستأذن الشاب ليسأل هذا السؤال: ما الإجراء الذي ستتخذونه حيال المعاهدة البريطانية؟ أهو الإنهاء أم الإلغاء؟ وما الفرق بينهما؟ فأسقط في يد المرشح, وارتج عليه, ولم يحر جوابا, ولم ينبس ببنت شفة! فقال له أحد معاونيه في الحملة: مالي أراك قد ارتبكت؟ هل أحرجك بسؤاله؟ أنت تحمل الشهادة العليا, وهو لا يحمل سوى الشهادة الابتدائية, ولا ندري من جعله يحفظ هاتين الكلمتين! لا تتحرج في الرد عليه, فأي جواب منك كفيل بإسكاته أمام الناس! قال المرشح: من جعلك تحفظ هاتين الكلمتين يا أعور؟! سمع الشاب هذا الرد القبيح, وكظم غيظه ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى, وتمالك نفسه عند الغضب كما طلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”. ورد عليه ردا بليغا راح يردده الحاضرون على ألسنتهم, وحفظته الأجيال من بعدهم, فماذا قال له, وماذا أجابه يا ترى؟! لقد أجابه برباطة جأش, وقوة شكيمة, وبعزيمة المؤمن صادق اللهجة قائلا: العور ابتلاء من الله تعالى, أرضاه وأصبر عليه, أما بذاءة اللسان فمن الإنسان!! ثم قال: لقد سألت هذا السؤال لا لأتعلم شيئا أجهله, بل ليعلم الحاضرون في هذا المجلس أننا في حزب التحرير نعارض فكرة إنهاء المعاهدة البريطانية, ونقف ضدها بكل طاقاتنا, لأن الإنهاء يعني أن تكون هذه المعاهدة قابلة للتجديد, بل إننا نطالب بإلغائها إلغاء نهائيا لا رجعة بعده؛ لأنها هي السبب في كل المصائب التي حلت وتحل بالمسلمين في كل أنحاء الأرض.    

    
فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي