Take a fresh look at your lifestyle.

الصائم مع القرآن والسنة – الصائمُ الْمُحسِنُ

 

الصائم مع القرآن والسنة

الصائمُ الْمُحسِنُ

 

 

 

يقولُ الحقُّ جلَّ وعلا في مُحْكَمِ تنزيلِه: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، أمرٌ من اللهِ سبحانه بالإحسانِ، وتَلاهُ مدحٌ للمحسنينَ، مَدَحَهم بأنّ اللهَ يحبُّهُم، ويُحِبُّ منهم هذا العملَ، وهذا الوصفَ.

والإحسانُ المأمورُ به شرعاً نوعانِ:

إحسانٌ إلى الناس، أي الإنعامُ عليهم، وتقديمُ المساعدةِ لهم

والإحسان في الفعل، أيْ صفةٌ زائدةٌ على الفعلِ، ومنه ما ورد في حديث عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه، لما جاء جبريلُ عليه السلامُ يسألُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ ليُعَلِّمَ المسلمينَ: (فقالَ: أخبرْني عنِ الإحسانِ، فقالَ: الإحسانُ أنْ تَعْبُدَ اللهَ كأنكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ). فمَعَ أنّ الإحسانَ ليسَ شيئاً ثالثاً بالنسبةِ للإسلامِ والإيمانِ، إلاّ أنه وصفٌ زائدٌ على الإسلامِ، ووصفٌ زائدٌ على الإيمانِ، يَجعَلُ صاحبَهُ موصوفاً بالإحسانِ في عملِهِ، أنْ تعبُدَ اللهَ كأنك تراهُ، وتوقِنُ أنه مُطَّلِعٌ سبحانه على كُلِّ عملٍ من أعمالِكَ، وهذا يعنيْ الإخلاصَ، بل شدةَ الإخلاصِ، بل الإخلاصَ الخالصَ.

وقولُهُ تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ) فالجملةُ (وهو مُحْسِنٌ) جملةٌ حاليةٌ بيَّنَتْ حالَ مَنْ أسْلَمَ وجهَهُ للهِ بأنّه محسِنٌ في فعلِهِ هذا، بل في جميعِ أفعالِهِ.

والله سبحانه هو البادئُ بالإحسانِ، فهو الذي أحسَنَ كلَّ شيءٍ خَلقَهُ، وبدأ خلقَ الإنسانِ من طينٍ، وهو الذي أحسنَ الرزقَ لعبادِهِ على الوجهِ الذي يُصلِحُهُم، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)، فهو سبحانه الخبير بعباده البصير بأعمالهم يعلمُ ما يُصلِحُهم، ومثلُ ذلك قولُه تعالى: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) فالله تعالى هو البادئُ بالإحسانِ، فهو المنعمُ المتفضلُ والبادئُ بالإنعامِ والفضلِ.

واللهُ سبحانَهُ  يجازيْ بالإحسانِ إحساناً: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ)، وكذلك: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ). فالذينَ أحسَنوا في هذه الحياةِ الدنيا لهم الحسنى في الآخرة وزيادة، قال تعالى: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فلهم الجنة، ولا يَرهَقُ وجوهَهم قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ، وأيضاً هم خالدونَ في الجنةِ.

فمنْ أولى من الصائمِ بالإحسانِ إلى الناسِ، فيقدّمُ لهم ما يستطيعُ تقديمَهُ من خيرٍ أو فضلٍ، ويؤثِرُهُم على نفسِه ولو كانَ به خَصاصَةٌ؟ ومن أولى من الصائمِ بالإحسانِ في أفعالِهِ كلها ليصلَ مرتبةَ الإحسانِ المذكورةِ في حديثِ جبريلَ عليه السلامُ الذي رواهُ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه؟