بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الحادية والتسعون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: خمس وعشرون: ومن الأخلاق الذميمة “عقوق الوالدين” عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة تستجاب دعوتهم: الوالد والمسافر والمظلوم” رواه الطبراني وقال المنذري: بإسناد صحيح. وإليكم هذه القصة الواردة في كتاب: “مفاتيح الفرج لترويح القلوب, وتفريج الكروب” وهي بغض النظر عما قيل في صحتها وثبوتها, إلا أنها لا تخلو من الفائدة, وتؤكد ما ورد في الحديث النبوي الشريف من أن دعوة الوالد على ولده مستجابة. عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: بينما نحن في الطواف إذ سمعنا صوتا يقول:
يا من يجيب دعـا المضطر في الظلم
يا كاشف الضـر والبلوى مع السقم
قد بات وفـدك حول البيت والحرم
ونحن ندعـو وعين الله لـم تنـم
قد نام وفـدك حول البيت وانتبهوا
وأنت يا حي يا قيـوم لـن تنـم
هب لي بجودك ما أخطأت من جرم
يا من أشـار إليـه الخلـق بالكرم
إن كان عفـوك لم يسبق لمجترم
فمـن يجود على العاصين بالنعم؟
قال الحسين بن علي رضي الله عنهما: قال أبي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: يا حسين أما تسمع النادب ذنبه والمعاتب ربه؟ امض فعساك تدركه وناده, قال الحسين رضي الله عنه: فأسرعت حتى أدركته, وإذا أنا برجل جميل الوجه نقي البدن نظيف الثياب طيب الريح إلا أنه شل جانبه الأيمن فقلت: أجب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه, فقال له: من أنت وما شأنك؟ قال: يا أمير المؤمنين, ما شأن من أخذ بالعقوبة ومنع الحقوق؟ قال: وما اسمك؟ قال: منازل بن لاحق, قال: فما قصتك؟ قال: كنت مشهورا في العرب باللهو والطرب أركض في صبوتي, ولا أفيق من غفلتي, إن تبت لم تقبل توبتي, وإن استقلت لم تقل عثرتي, أديم العصيان في رجب وشعبان, وكان لي والد شفيق رفيق, يحذرني مصارع الجهالة, وشقوة المعصية يقول: يا بني, لله سطوات ونقمات, فلا تتعرض لمن يعاقب بالليل والنهار, فكم ضج منك الأنام, والملائكة الكرام! والشهر الحرام, والليالي والأيام, وكان إذا ألح علي بالعتب, ألححت عليه بالضرب, فأبلغت إليه يوما, فقال: والله لأصومن ولا أفطر, ولأصلين ولا أنام, فصام أسبوعا, ثم ركب جملا أورق وأتى مكة يوم الحج الأكبر, فقال: لأفدن إلى بيت الله, ولأستعيذن عليك بالله, قال: فتعلق بأستار الكعبة ودعا وقال:
يا من إليه أتى الحجاج مـن بعد يرجون لطف عزيز واحد صمـد
هذا منازل لا يرتد عن عـقـقي فخذ بحقي يا رحمن من ولـدي
هذي منازل ما قد خاب قاصدها فخذ بحقي يا حنان من ولـدي
وشل منـه بجـود منـك جانبه يا من تقدس لم يولـد ولم يلـد
قال: فوالذي رفع السماء, وأنبع الماء, ما استتم كلامه حتى شل جانبي الأيمن, فظللت كالخشبة الملقاة بأرجاء البيت الحرام, وكان الناس يغدون ويروحون علي, ويقولون: هذا من أجاب الله فيه دعوة أبيه, ولما عاد أبوه من الحج, ورآه على تلك الحالة من العجز والضعف, رق له وتفطر قلبه من الحزن, واغرورقت عيناه بالدموع, وأحس بالندم على ما كان منه, قال له علي رضي الله عنه: فما فعل أبوك؟ قال يا أمير المؤمنين, سألته أن يدعو لي في المواضع التي دعا علي فيها بعد أن رضي عني, فحملته على ناقة, وجددنا في السير حتى وصلنا إلى واد الأراك, فنفر طائر من شجرة, فنفرت الناقة فوقع منها ومات في الطريق, فقال علي كرم الله وجهه: ألا أعلمك دعوات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال: ما دعا بها مهموم إلا فرج الله همه, ولا مكروب إلا فرج الله تعالى كربته؟ فقال: بلى, فقال الحسين بن علي رضي الله عنهما: فعلمه الدعاء فدعا به وخلص من مرضه وغدا علينا صحيحا سالما, فقلت للرجل كيف عملت؟ قال: لنا هدأت العيون دعوت به مرة وثانية وثالثة, فنوديت: حسبك الله فقد دعوت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى, ثم غلبتني عيني فنمت, فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي, فعرضتها عليه فقال صلى الله عليه وسلم: صدق علي ابن عمي فيها اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى, ثم غلبتني عيني مرة ثانية, فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أريد أن أسمع الدعاء منك, فقال صلى الله عليه وسلم: قل:
“اللهم إني أسألك يا عالم السر والخفية, ويا باسط اليدين بالعطية, ويا من السماء بقدرته مبنية, ويا من الأرض بعزته وقدرته مدحية, ويا من الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة ومضية, ويا مقبلا على كل نفس مؤمنة زكية, ويا مسكن رعب الخائفين وأهل البلية, ويا من حوائج الخلق عنده مقضية, ويا من نجى يوسف من رق العبودية, ويا من ليس له بواب ينادى, ولا صاحب يغشى, ولا وزير يؤتى, ولا غيره رب يدعى, ولا يزداد على كثرة الحوائج إلا كرما وجودا, صل على محمد وآله, وأعطني سؤلي إنك على كل شيء قدير, يا حي يا قيوم يا أرحم الراحمين”.
قال: فانتبهت وقد برئت! قال علي رضي الله عنه: “تمسكوا بهذا الدعاء فإنه من كنوز العرش”. فالحذر الحذر أيها الأبناء من دعوة الآباء فإنها مستجابة! وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم! وتنالوا رضا ربكم!
فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي