حديث الصيام
وحدة الأمة في عيدها
لَقَدِ اسْتَمْرَأَتِ الأُمَّةُ كَيْدَ الكائِدِينَ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، فَأَصْبَحَ التَّلاعُبُ بِعِبادَةٍ، هِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ، أَمْراً لا يُثِيرُ أَحَداً مِنَ الْمُخَدَّرِينَ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ، مُنْذُ عَشَراتِ السِّنِينِ وَرُبَّما حَتَّىْ آخِرَ عِيدِ فِطْرٍ فِيْ هذا الْعامِ.
لَقَدْ عَرَفَ الْعَدِيدُ مِنْ أَبْناءِ الأُمَّةِ أَنَّ تَحْدِيدَ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضانَ، وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوّالَ، هُوَ خاضِعٌ لِمِزاجِ الأَنْظِمَةِ، وَمَدَىْ انْسِجامِها السِّياسِيِّ مَعَ جِيرانِها، فَإِذا كانَتِ الْعَلاقَةُ بَيْنَ دَوْلَتَيْنِ مِنَ الْبِلادِ الإِسْلامِيَّةِ مُتَوَتِّرَةً، فَإِنَّ ذلِكَ يَنْعَكِسُ عَلَىْ الاتِّفاقِ عَلَىْ بَدْءِ الصَّوْمِ وَبَدْءِ الْفِطْرِ، وَإِذا كانَتِ الْعَلاقاتُ مُنْسَجِمَةً فَإِنَّ التَّوافُقَ يَحْصُلُ، وَهَكَذا يُصْبِحُ الإِسْلامُ وَعِبادَةُ الصَّوْمِ ضَحِيَّةَ الرِّضا وَالسَّخَطِ الَّذِيْ يَعْتَرِيْ الْعَلاقاتِ السِّياسِيَّةَ بَيْنَ الْحُكّامِ، وَالْمَحْكُومِينَ بِالْوِفاقِ الدَّوْلِيِّ، وَالصِّراعِ الدَّوْلِيِّ، أَوِ الْعَمالَةِ لِلْخارِجِ.
وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الرَّأْيِ الْفِقْهِيِّ فِيْ الْمَوْضُوعِ؛ لأَنَّهُ واضِحٌ عِنْدَ الْمُتَلاعِبِينَ الْخاضِعِينَ لِضَغْطِ الْحُكّامِ، الَّذِيْنَ يُعْلِنُونَ بَدْءَ الصَّوْمِ وَبَدْءَ الْفِطْرِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ أَصْبَحَتْ مَسْأَلَةً سِياسِيَّةً وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةً فِقْهِيَّةً، وَيُدْرِكُ ذلِكَ عَوامُّ النّاسِ مَهْما أَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَماءِ ذلِكَ، وَيَعْلَمُ كُلُّ ذِيْ عَقْلٍ سَلِيمٍ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تَعُدْ مَسْأَلَةَ رَأْيٍ فِقْهِيٍّ، أَوْ وَحْدَةِ مَطالِعَ، أَوْ تَعَدُّدِ مَطالِعَ، بَلِ الْمَسْأَلَةُ سِياسِيَّةٌ بِامْتِيازٍ، يَعْرِفُها الْحاكِمُ وَالْمَحْكُومُ، وَيَعْلَمُها الْمُفْتِيْ وَالْمُسْتَفْتِيْ.
أَمّا التَّذَرُّعُ بِاتِّباعِ الْجَماعَةِ فَإِنَّ الاتِّباعَ يَكُونُ مَعَ الْحَقِّ وَلَوْ كانَ أَتْباعُهُ قِلَّةً. وَما الْحُدُودُ الْمُصْطَنَعَةُ إِلاّ ذَرِيعَةً وَهْمِيَّةً لا تُسَوِّغُ الْجَرِيمَةَ الَّتِيْ تَرْتَكِبُها الأَنْظِمَةُ فِيْ حَقِّ الإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
إِنَّ لِلْعِيدِ أَحْكاماً شَرْعِيَّةً مُعَيَّنَةً، وَبَرَكَةً مُعَيَّنَةً، وَلا يُمْكِنُ نَقْلُ تِلْكَ الْبَرَكَةِ مِنْ يَوْمٍ لآخَرَ لِمُجَرَّدِ أَنَّ فُلاناً مِنَ الْحُكّامِ قَرَّرَ زَحْزَحَةَ الْعِيدِ مِنْ يَوْمٍ لآخَرَ، وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ زَحْزَحَةَ بَرَكَةِ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَثَوابِ الطّاعاتِ فِيهِ مِنْ يَوْمٍ لآخَرَ، هذا عَدا عَنْ حُرْمَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ الَّذِيْ قَدْ يَجْعَلُهُ الْحاكِمُ يَوْمَ صَوْمٍ، فَإِلَىْ مَتَىْ تَسْكُتُ الأُمَّةُ عَنِ التَّلاعُبِ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكانِ دِينِها؟!