الصائم مع القرآن والسنة
الصائمُ الخائفُ من النارِ الهاربُ منها
كيفَ بمنْ يسمعُ بالنارِ وعذابِها ولا يهرُبُ منها؟ وكيف ينامُ عن الهربِ منها؟
لقدْ وصفَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى النارَ وصفاً دقيقاً مُخيفاً، يُوقِعُ الهَلَعَ والرعْبَ في النفوس، وصفاً يجعَلُ من يُدْرِكُهُ كأنه يُحسُّ به ويعانِيْهِ، ليكونَ الدافعُ للهربِ منها أقوى وأعظمَ وأشدَّ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، فهذا أمرٌ من اللهِ تعالى للذينَ آمنوا أنْ يَقُوْا أنفسَهُم وأهلِيْهِم تلكَ النارَ، التي وقودُها ليسَ النِّفْطَ، ولا الخشَبَ، إنَّما وقودُها الذي تشتعِلُ به هو الناسُ، أجسادُ الناسِ من الكافرينَ والعصاةِ، ووقودُها الحجارةُ، فَلْيَتَصَوَّرِ الْمُتَصَوِّرونَ هذا الوقودَ، وكيفَ تكونُ الحجارةُ وَقوداً لجهنمَّ؟؟؟
وأخبرنا سبحانه وتعالى عن إحاطةِ النار بأهلها من الكافرين والعُصاةِ، فقالَ عزّ من قائل: (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)، هذا التخويفُ من الله سبحانه لعبادِهِ ليدْرِكُوْا معنى غضبِ اللهِ تعالى، ولِيُدْرِكوا شدةَ عذابِه، فيكونُ دافعاً لهم لتقوى اللهِ تعالى، واتقاءِ عذابِهِ الشديد.
ومن شدّةِ عذابِ جهنّمَّ أنَّها تَتَلَظَّى، وتكادُ تَمَيَّزُ من الغيظِ، وحرُّها يَفوْقُ حرَّ الدنيا بتسعٍ وستينَ مرة، وبُعْدُ قعرِها عنْ سطْحِها سبعونَ سنةً، وهيَ أيضاً نَزَّاعةٌ للشَّوَى، أَوَتدرونَ ما هو أقلُّ عذابٍ في جهنَّمَ؟ إنه ما رواه مسلمٌ عن النعمانِ بْنِ بَشيرٍ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أَهْوَنَ أهْلِ النارِ عذابًا مَنْ لَهُ نَعْلانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِيْ منهُما دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِيْ الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا، وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً)، أو ما رواه البخاريُّ ومسلمٌ عن النعمانِ بنِ بشيرٍ رضيَ اللهُ عنه عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النارِ عَذابًا يومَ القيامةِ رَجُلٌ تُوْضَعُ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِيْ مِنْهَا دِمَاغُهُ)، نستجيرُ باللهِ العَلِيِّ العظيمِ من جهنمَّ وعذابِها، ونقولُ كما يقولُ عبادُ الرحمنِ: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا).
إنَّها جهنَّمُ، وهيَ السعيرُ، وهي الجحيمُ، وهي الهاويةُ، وهيَ الْحُطَمَةُ، وهي نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ، وهي النارُ الحاميةُ، يُؤخَذُ إليها المجرمونَ بالنواصيْ والأقدامِ. ليس لأهلِها طعامٌ إلا من ضريعٍ، لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِيْ من جُوعٍ، وإنَّ أهلَها لآكِلونَ من شجرٍ من زَقُّومٍ، فمالئونَ منها البطونَ، فشاربونَ عليه من الحميمِ، فشاربونَ شُربَ الْهِيْمِ.
وهذه صورةٌ من صُوَرِ البعثِ والعذابِ: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ، إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ، وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ، لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ).
فمنْ أولى من الصائمِ بالهَرَبِ من النارِ وعذابِها، ومن الجحيمِ ولهيبِها، بالعمَلِ بما يُرضِيْ اللهَ سبحانَهُ وتعالى، يُطيعُ اللهَ القويَّ العزيزَ، ويُطِيْعُ رسولَه صلى الله عليه وسلم، ويَجْعَلُ الحكمَ الشرعيَّ مقياسَ أعمالِهِ، ورضوانَ اللهِ غايتَهُ ومَثَلَهُ الأعلى، لِيَنْجُوَ من جهنَّمَ وعذابِها؟