Take a fresh look at your lifestyle.

علم الجهل ومحاولات تشكيك الأمة الإسلامية

 

علم الجهل ومحاولات تشكيك الأمة الإسلامية

 

 

 

الخبر:

 

الجزيرة نت: قالت صحيفة نيويورك تايمز إن على الأمريكيين أن يخشوا الجهل المتمثل في بعض السياسيين الجهلاء لا المسلمين، كما عليهم تفادي المغالاة في ردود الفعل… ونوهت الصحيفة في افتتاحيتها بأنه… على الأمريكيين الاحتراس من “المبالغة في رد الفعل”، ناصحة إياهم بكبح جماح أي “تصرف معاكس ومسعور ينم عن عدم ثقة وكراهية تجاه الأمريكيين المسلمين”. “ولقد كانت هذه مشكلة منذ هجمات الـ11 من أيلول/سبتمبر 2001 وستبقى كذلك طالما أن الجهل بالإسلام لا يزال عميقا ومتفشيا”. وتضيف الصحيفة أن من يؤجج الجهل اليوم هم “مرشحو الرئاسة الجمهوريون” الذين يطالبون حكومة بلادهم بتسجيل كل المسلمين في الولايات المتحدة في قاعدة بيانات وطنية، ورصد تحركاتهم والتجسس على مساجدهم أو إغلاقها.

 

الحرة دوت كوم: قال الرئيس باراك أوباما إن المسلمين الأمريكيين “قدموا نماذج ملهمة وإنجازات للولايات المتحدة”، وأضاف في كلمة ألقاها الأربعاء في مسجد في مدينة بالتيمور في ولاية مريلاند إن “الإسلام كان دوما جزءا من أمريكا”. وتحدث أوباما عن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الذين أكدوا أن المسلمين الذين كانوا يسمَّوْن بالمحمديين مرحب بهم في البلاد، مشيرا إلى أن بعض الرؤساء كانوا يحتفظون بنسخ من القرآن.

 

التعليق:

 

المعرفة قوّة والجهل ضعف، هذا ما اتفق عليه الناس على مر العصور، ولكن السلاح الذي يستخدمه أعداء الإسلام في هذا العصر هو مزيج من العلم والجهل يوازي المال والعتاد العسكري. فمع محاولات القوى المعادية للمسلمين الاستئثار بالعلم والمعرفة لنفسها، نمت عندها الحاجة لتجهيل الأمة الإسلامية بشكل علمي! قد يبدو هذا التعبير غريباً أو متناقضاً لكنه على العكس من ذلك هو في غاية الدقة. يظهر لنا ذلك من خلال الواقع الملموس الذي يثبت أن هذا العلم “علم الجهل” قد تنامى وازداد وتمت حتى حصد النتائج الخاصة به. تُعرّف وزارة الدفاع الأمريكية مفهوم “إدارة الفهم Perception Management” بأنه نشر لمعلومات أو حذف لمعلومات لأجل التأثير على تفكير الجمهور والحصول على نتائج يستفيد منها أصحاب المصالح، ولأن النشر والحذف يتطلّبان أساليب دقيقة ومعرفة تامة بعلم النفس والسلوك والإدراك قام باحث ستانفورد المختص بتاريخ العلوم بصياغة ما يُعرف بعلم الجهل Agnotolgy وهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة.

 

الجهل هنا ليس انعدام المعرفة فقط بل هو “مُنتَج” يتم صنعه وتوزيعه لأهداف معيّنة غالباً سياسية أو تجارية، ولتوزيع هذا الجهل بين أطياف المجتمع انبثقت الحاجة لمجال “العلاقات العامة” وهي الصنعة التي تُعتبر الابن الأصيل للحكومة الأمريكية على حد تعبير تشومسكي، فعن طريق لجان “العلاقات العامة” تم تضليل الرأي العام الأمريكي والزج به في الحرب العالمية الأولى سابقا وغزو العراق لاحقا، ودعم الأسد بحجة قتال تنظيم الدولة الآن، بما كان يُعرف بالـ Creel Commission.

 

وللوصول لنتائج متوخاة لا بد من القيام ببث الخوف لدى الآخرين إلى جانب إثارة الشكوك ثم وضع الناس في حيرة قاتلة. وهذا ما قامت به دول كبيرة واتبعته في سياساتها للتمكن من حكم شعوبها وتسييرها كما تريد. كتجسيد فكرة ما بهدف إثارة الرعب لدى الرعية من شيء وهمي أو غير موجود لتمرير مصالحها وأجندتها! وإن استعصت عليها… فلا بأس من تفجير هنا أو عملية قتل هناك… فتصل لأهدافها بالتأكيد.

 

وأما إثارة الشكوك فيكون بتسخيرهم لباحثين أكاديميين لتنفيذ مهمة تغيير فهم المجتمع حول أمر ما، مثل أن الربيع العربي ليس ربيعاً تماماً بل فيه الرعاع ودعاة الشر. أو أن النظام السوري يقاتل إرهابيين وثائرين، والأولى الآن قتال الإرهابيين لأنه إن سقط فإنهم سيستلمون الحكم ويقاتلوننا! ولأن كثرة المعلومات المتضاربة تصعّب من اتخاذ القرار المناسب تتقصد هذه الدوائر الخبيثة إدخال الفرد في دوّامة من الحيرة حتى يبدو تائها وجاهلا حول ما يجري بل ويزيد العبء النفسي والذهني عليه فيلوذ بقبول ما لا ينبغي القبول به طمعا في النجاة من هذه الدوامة، وهذه تحديدا هي الغاية. تماماً كما خرج مرة رئيس حكومة الائتلاف أحمد طعمة معلناً أن الغرب لن يسمح بقيام نظام إسلامي في سوريا وإن أصررنا على ذلك فإن أنهاراً من الدماء ستسيل! فقد أوصلت الدوائر الغربية هذا الرجل لمرحلة من الضياع والشك والخوف أن أعلن براءته من الإسلام ونظامه وتراجعه عن أهداف ثورة مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات.

 

لقد شكك الغرب بأن الإسلام هو نظام حياة بل أصر على احترامه كدين فقط، حيث أكد أوباما أن “الإسلام كان دوما جزءا من أمريكا”، وهم بهذا يصرون على وضعه في رفّ الأديان بل يعتبرون كل من يصف الإسلام بـ “نظام حياة” بأنه إما إرهابي أو أنه يدعو للإرهاب. ولكي يوجدوا الحيرة في نفوس المسلمين سلطوا الأضواء بكثافة على مجموعات مسلحة تدعي تطبيق الإسلام وأنها دولة إسلامية، وأظهروا تسلطها وإجرامها وكراهيتها للبشر، وقالوا هذا هو السلوك الإسلامي الخاطئ حين يتدخل الإسلام بالسياسة.

 

لقد نجحوا نجاحاً منقطع النظير بذلك حتى دفعوا عالماً أزهرياً مثل القرضاوي لرفض الخلافة والقبول بالديمقراطية مع أنها منتج غربي بحت، بل وأوصلوا رئيس حزب كان عظيماً عند أهل بلده وهو الغنوشي أن يكفر بالسياسة ويرفض الحكم بالإسلام ويعلن أنه لا يريد الخلافة الإسلامية – التي بدأت منذ عصر سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه – وإنما يتمسك بعلمانية حاول مزجها – لحيرته القاتلة – بالإسلام، مع إدراكه أنه بذلك كمن يمزج بين زيت وماء! فهما لا يمتزجان أبداً إلا بوسيط يحتال على صفاتهما ليظهر أنهما قابلان للمزج وهذا الوسيط هو النهضة وغنوشها.

 

في هذا العصر الرقمي بات الجهل والتضليل سلعة يومية تُنشر وتُساق على الجمهور من حكومات وشركات وأصحاب نفوذ، والصمود أمام كل هذه القوى يتطلّب جهودا ذاتية ضخمة ووعيا كبيراً يبحث عن الحقيقة بعيدا عن العاطفة والأمنيات، وسيكون من قصر النظر وفرط السذاجة لو اعتقدنا أن “علم الجهل” محصور على الغرب، بل هو اللاعب الأكبر في صراع الحلفاء مع المسلمين من أجل إجهاض ثوراتهم ومحاولات انعتاقهم من هيمنتهم ومص دمائهم.

 

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

رولا إبراهيم – بلاد الشام

2016_06_22_TLK_4_OK.pdf