انبذوا الوطنية نبذ النواة (2)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أما بعد أحبتي الكرام فأحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبل الله منكم الصيام والقيام وسائر الطاعات.
حديثي معكم الليلة يدور حول أمر هو بحق السم الزعاف، هو بحق الخنجر الذي عمل ويعمل في الأمة تقطيعاً وتمزيقاً، هو بحق عقبة كأداء أمام توحد الأمة.
بداية أقول، إن فكرة الوطنية جزء لا يتجزأ من المؤامرات الغربية لتكريس تجزئة بلاد المسلمين إلى أردن وفلسطين وسوريا ومصر وليبيا…، وقد تجلت هذه الفكرة بشكل خطير في الشعارات التي نراها في كل زاوية: الأردن أولاً، مصر للمصريين، القضية الفلسطينية شأن فلسطيني، وهكذا كرست الوطنية تفتيت الأمة الإسلامية إلى دويلات، مع أن الإسلام حرّم أن يكون للمسلمين أكثر من حاكم، بل أمر بإطاحة رأس الحاكم الثاني إذا ظهر وللمسلمين إمام يحكمهم، قال عليه الصلاة والسلام «إذا بويع لخليفيتن فاقتلوا الآخر منهما».
إن الوطنية أحبتي في الله هي الرابطة التي تجمع الناس الذين يعيشون داخل حدود دولة من هذه الدول، وتفصلهم عن سائر الناس الذين هم خارج تلك الحدود. وبذلك يصبح اللبناني مرتبطا فقط باللبناني ويصبح المصري مرتبطاً فقط بالمصري، حتى تنقسم الأمة وتتعدد همومها، ولا تعمل سويّاً في سبيل قضية واحدة هي قضية الأمة.
أحبتي الكرام، إن الإسلام لم يأمر بالدفاع عن “الوطن” وإنما أمر بالدفاع عن البلاد الاسلامية بغض النظر عن كونها وطناً للمجاهد أو غير ذلك. فواجب الجهاد لتحرير فلسطين من دولة يهود وتحرير الأندلس من الأوروبيين والدفاع عن أراضي البوسنة والهرسك والشيشان وبلاد كشمير في الهند، لا يناط فقط بأهل تلك البلاد طالما لا يستطيعون رد العدوان وحدهم، وإنما يناط الواجب بكل المسلمين الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يتحقق الفرض.
ثم إن الرسول eلم يتمسك بتراب “وطنه” مكة الذي أخرج منه بغير حق هو وصحابته الكرام، وقد كان في استطاعته ذلك بعد الفتح. لكنه رجع إلى المدينة عاصمة الدولة الاسلامية وأقام فيها ما تبقى من أيام حياته، ولم يوص المسلمين بدفن جثمانه الطاهر في تراب “الوطن” مكة المكرمة، وهكذا فعل أصحابه رضوان الله عليهم من بعده، فشهداء بدر وأحد دفنوا في البقيع في المدينة وأبو عبيدة دفن في غور الأردن، وأبو أيوب الأنصاري دفن قرب أسوار القسطنطينية، وحفظة القرآن الكريم من الصحابة دفنت أعداد منهم في أطراف الهند وبحر قزوين خلال الفتوحات الإسلامية، ولم يصدر عن رسول الله eولا عن صحابته الكرام أي إشارة “وطنية” أو حنين للديار، بل كان همهم الأول قضيتهم المصيرية إعلاء كلمة الله ونشر الإسلام وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
أحبتي الكرام، إن الإسلام اعتبر الوطنية من الدعاوى الجاهلية النتنة، من ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه، حيث قال: “كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها الله رسوله eقال: «ما هذا؟» فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي e: «دعوها فإنها منتنة» رواه البخاري.
فاعتبر عليه السلام الانحياز والتفرق على أساس أن أصل هذا من المدينة فهو أنصاري وذاك من مكة فهو مهاجري، وهذا ينصر قومه على هذا، اعتبر هذه الدعاوى نتنة وأمر بتركها، وقال في رواية: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»!
وفي سنن أبي داود، عن النبي eأنه قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية».
إن الدعوة إلى القومية أو الوطنية هي ترويج للفكر الغربي الغريب عن الإسلام. والرسول eيقول: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». والواجب يحتم على المسلمين أن ينبذوا كل الأفكار والأطروحات الدخيلة، ويعودوا من جديد إلى إحياء الرابطة الإسلامية لإقامة مجتمعهم على أساس العقيدة الإسلامية، فتسوده أفكار الإسلام ومشاعره وأنظمته.
أحبتي الكرام، يالها من فرصة تاريخية، بل يا لها من فضيلة كبرى نثقّل بها موازيننا، بأن نعبّد الطريق لإقامة دولة إسلامية؛ خلافة على منهاج النبوة، تضع حدود الاستعمار تحت قدمها وتقتلع الوطنية من ذهن المسلمين، لتكون سوريا الشام دار إسلام يهاجر إليها المسلمون من كل حدب وصوب، وتنطلق منها الدعوة لضم بلاد المسلمين، فيذهب لبنان غورو إلى الجحيم ويذهب أردن غلوب إلى الجحيم وتذهب سعودية الإنجليز إلى الجحيم، ولتذهب الدولة الوطنية إلى الجحيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين