العمل السياسي
إن العمل السياسي هو من أجلِّ الأعمال وأعظمها إذ هو عمل الأنبياء والمرسلين والخلفاء الراشدين، روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ e قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلّمَا هَلَكَ نَبِيّ خَلَفَهُ نَبِيّ، وَإنّهُ لاَ نَبِيّ بَعْدِي. وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوّلِ فَالأَوّلِ. وَأَعْطُوهُمْ حَقّهُمْ. فَإنّ اللّهَ سَائِلُهُمْ عَمّا اسْتَرْعَاهُمْ»، وهو أرقى الأعمال لأنه متعلق بالسياسة التي هي رعاية شؤون الناس، إذ هو (أي العمل السياسي) ينقل الإنسان من دائرة الاهتمام بنفسه إلى الاهتمام بالآخرين، وبه وحده تنهض الأمة من كبوتها، وتصحو من غفوتها، فتصبح هي القائد وهي الرائد، بعد أن كانت أثراً بعد عين.
إن الصحابة رضوان الله عليهم قد نالوا من الفضل ما نالوا لأنهم استجابوا لأمر الله وأخلصوا له النية، وبذلوا نفوسهم وأموالهم في سبيل الله إعلاء كلمة الله، وأقاموا مع رسول الله دولة الإسلام، ووطدوا أركانها مع خلفائه من بعده، على أنقاض الجاهلية وأنقاض دول الكفر، وعلى أنقاض أعتى دولتين في ذلك العصر فارس والروم، فاستحقوا هذا الفضل العظيم.
ونحن كأبناء لهذه الأمة وقد أكرمنا الله بالإسلام فما علينا إلا حمل دعوته والعمل لإعادة الحكم بالإسلام وإقامة دولة الخلافة لتخليص الأمة من أفكار الكفر وأنظمته وأحكامه، ولتقويض هذه الكيانات الكرتونية الكافرة القائمة في العالم الإسلامي لتوحيدها في دولة واحدة، هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فحتى ننال كما نال الصحابة من الأجر والفضل، يجب علينا أن نصدق الله العهد ونخلص له النية، وأن لا نخشى غيره ولا نخضع لسواه، وأن نؤمن به إيماناً ثابتاً عن يقين أنه وحده الخالق والرازق والمحي والمميت والمعز والمذل، وأنه وحده مانح النصر، وأنه على كل شيء قدير، وأن أياً منا لن يموت قبل أن يستوفي أجله ورزقه وما قدر له.