أبشروا أيها المؤمنون ببيعكم الذي بايعتم
يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة: 1-2]
لا يخفى على ذي لب أن أمريكا هي رأس الكفر، وأنها إنما تعادينا معاشر المسلمين عداء سافراً لا تخفيه، وهي التي ظاهرت على إخراج أهلنا من ديارهم وعملت على تهجير من هاجر منهم، بعد أن صبت جام حقدها علينا، ولم ترقب فينا إلا ولا ذمة، فكيف لا نتخذها عدوة؟ وكيف يلقي إليها بالمودة أقوام ينتسبون إلينا فينتظرون منها المدد والسلاح والخطط ويسيرون في مشاريع الهدن التي تفرضها والتسويات التي تطمح من خلالها أن تستنسخ النظام القذر المجرم بآخر نظير له؟
﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 9]، ينهانا الله تعالى عن أن نتولى أمريكا أو روسيا أو إيران أو السعودية وأمثالها فكلهم إنما يقاتلونا في الدين، وما نقموا منا إلا أننا رفعنا شعارات خالصة لله، هي لله، قائدنا للأبد سيدنا محمد، غاظهم منا أننا نريد تحكيم شرع الله، وجعلهم يجمعون الأبيض والأصفر والأحمر على حربنا، ومع ذلك، فإن كل دول العالم وقد اجتمعت تبغي أن نركع، فإننا نعلن أنهم فشلوا، وأننا أمة لا تركع إلا لله، ولا تبغي إلا رضاه، ولا تطلب عونا ولا مددا ولا نصرا ولا استعانة إلا بالله وبالله وحده، فأبشروا أيها المؤمنون ببيعكم الذي بايعتم، أبشروا فإن الله تعالى بشركم بأنكم وأنتم تتخذون موقف العداء من أعداء الله، وأنتم لا ترتضون إلا الله تعالى وليا وناصرا ومعينا، فإنه هو وليكم، ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران]، فالله خير ناصر، وهو المولى، وأما من ناصبنا العداء فلا موقف لنا معه إلا موقف العداء، وعدو الله هو عدونا: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء﴾ وقال تعالى: ﴿أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ فعدوكم هو عدو الله، وعدو الله هو عدوكم، أنتم تنطلقون من مبدأ عظيم وهو أنكم تعادون من عادى الله ورسوله، فإنكم ما خرجتم إلا ابتغاء رضوان الله، وانتصارا لدين الله، فعاديتم عدوه، فهو معكم وهو وليكم، وهو ناصركم فأبشروا! وفي الآيتين: عدو الله وعدوكم، عدوي وعدوكم، قدم عداوة الله على عداوتكم لأنها هي الأصل، فأنتم لا تنتصرون لذواتكم، وإن كان الانتصار للذوات مشروعا، إلا أن الانتصار لدين الله ومعاداة أعدائه أعظم أجرا، وأقرب نصرا! فأبشروا.
وهذه رسالة بليغة لأولئك الذين يستجدون السلاح من أعداء الله سواء مباشرة مثل أمريكا أو من خلال عملاء أمريكا الذين ينفذون مشاريعها ولا يرجون إلا رضاها مثل دول الخليج والأردن وأمثالها من دول الضرار، فإن الله ينهاكم عن ذلك، فإما الإيمان بأن النصر من عند الله، وأنه ينصر من ينصره، على قلة الإعداد أو كثرته، أخذا بالأسباب، إلا أن القضية الأهم هي الموقف العقدي، فمن عادى الله ورسوله نحادّه فيهم، ومن عادى دين الله عاديناه، ولم نبتغ العون إلا من الله وحده، ومن عاديناه لا نستضيء بناره! وإن لم نثق بأن النصر من عنده وحده وهو القائل: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
إن لم نثق بأن النصر من عنده فكيف ينصرنا؟ ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾
إن يخذلكم لأنكم لم تؤمنوا بأنه هو وحده الناصر والنصير فمن ذا الذي ينصركم من بعده؟ أمريكا؟ أم روسيا؟ أم إيران؟ أم عملاء أمريكا الذين مردوا على النفاق؟ لا نصر إلا من عند الله، بل فوق ذلك: يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾
فمن استنصر بأمريكا فإنها لا تستطيع نصر نفسها، فالنصر من عند الله وحده، وإن تحققت الغلبة لأعداء الله في ساعة، فإنما النصر من الله تعالى يؤيد به أولياءه بصبرهم وثباتهم ولا يضرهم أعداؤهم إلا أذى، وهو دون النصر فتأملوا يا رعاكم الله.
والحمد لله رب العالمين