بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح28)
علم الله وإرادة الله لا يجبران العبد على القيام بالعمل
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا “بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام” وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ وَالعِشْرِينَ, وَعُنوَانُهَا: “عِلْمُ اللهِ وَإِرَادَتُهُ لا يُجبِرَانِ العَبْدَ عَلَى القِيَامِ بِالعَمَلِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الحَادِيَةِ وَالعِشرِينَ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: “أمَّا عِلْمُ اللهِ تَعَالَى فَإنَّهُ لا يُجْبِرُ العَبْدَ عَلَى القِيَامِ بِالعَمَلِ؛ لأنَّ اللهَ عَلِمَ أنَّهُ سَيَقُومُ بِالعَمَلِ مُختَارًا، وَلَمْ يَكُنْ قِيَامُهُ بِالعَمَلِ بِنَاءً عَلَى العِلْمِ، بَلْ كَانَ العِلْمُ الأزَلِيُّ أنَّهُ سَيَقُومُ بِالعَمَلِ. وَلَيسَتِ الكِتَابةُ فِي اللَّوْحِ الْمَحفُوظِ إلاَّ تَعبِيرًا عَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِ اللهِ بِكُلِّ شَيءٍ.
وَأمَّا إِرَادَةُ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا كَذَلِكَ لا تُجْبِرُ العَبْدَ عَلَى العَمَلِ، بَلْ هِيَ آتِيَةٌ مِنْ حَيثُ إِنَّهُ لا يَقَعُ فِي مُلْكِهِ إلاَّ مَا يُرِيدُ، أيْ لا يَقَعُ شَيءٌ فِي الوُجُودِ جَبْرًا عَنَهُ. فَإِذَا عَمِلَ العَبدُ عَمَلاً وَلَمْ يَمنَعْهُ اللهُ مِنْهُ, وَلمْ يُرْغِمْهُ عَلَيْهِ، بَلْ تَرَكَهُ يَفعَلُ مُختَارًا، كَانَ فِعلُهُ هَذَا بِإِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى لا جَبْراً عَنهُ، وَكَانَ فِعْلُ العَبدِ نَفسِهِ بِاختِيَارِهِ، وَكَانَتِ الإِرَادَةُ غَيرَ مُجْبِرَةٍ عَلَى العَمَلِ.
هَذِهِ هِيَ مَسألةُ القَضَاءِ وَالقَدَرِ، وَهِيَ تَحْمِلُ الإِنسَانَ عَلَى فِعْلِ الخَيرِ, وِاجتِنَابِ الشَّرِّ حِينَ يَعلَمُ أنَّ اللهَ مُرَاقِبُهُ وَمُحَاسِبُهُ، وَأنَّهُ جَعَلَ لَهُ اختِيَارَ الفِعْلِ وَالتَّركِ، وَأنَّهُ إنْ لَمْ يُحْسِنِ استِعمَالَ اختِيَارِ الأفعَالِ، كَانَ الوَيلُ لَهُ وَالعَذَابُ الشَّدِيدُ عَلَيهِ، وَلِذَلِكَ نَجِدُ المُؤمِنَ الصَّادِقَ المُدرِكَ لِحَقِيقَةِ القَضَاءِ وَالقَدَرِ، العَارِفَ حَقِيقَةَ مَا وَهَبَهُ اللهُ مِنْ نِعْمَةِ العَقْلِ وَالاختِيَارِ، نَجِدُهُ شَدِيدَ الْمُرَاقَبَةِ للهِ، شَدِيدَ الخَوْفِ مِنَ اللهِ، يَعْمَلُ لِلقِيَامِ بِالأوَامِرِ الإِلَهيَّةِ وَلاجتِنَابِ النَّوَاهِي، خَوفًا مِنْ عَذَابِ اللهِ وطَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَحُبًّا فِي اكتِسَابِ مَا هُوَ أكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ألا وَهُوَ رِضْوَانُ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: عِندَ اتِّصَالِنَا بِبَعضِ بُسَطَاءِ النَّاسِ أثنَاء حَمْلِ الدَّعْوَةِ كُنَّا نَسألُهُمْ عَنْ أدَائِهِمْ لِلفُرُوضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَيهِمْ, وَمِنهَا الصَّلاةُ, نَقُولُ لأحَدِهِمْ: هَلْ تُصَلِّي؟ فَيُجِيبُنَا أنَّهُ لا يُصَلِّي, وَعِندَمَا نَسْألُهُ عَنِ السَّبَبِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ بِأعذَارٍ وَاهِيَةٍ غَيرِ مُقنِعَةٍ, وَإِذَا ألْحَحْنَا عَلَيهِ بِسُؤَالِنا إيَّاهُ فَقُلْنَا لَهُ: هَلْ أنْتَ مُقتَنِعٌ بِوُجُودِ اللهِ الخَالِقِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أمْ لَسْتَ بِمُقتَنِعٍ كَي نُحَدِّدَ مِنْ أيْنَ نَبدَأُ النِّقَاشَ مَعَكَ؟ أجَابَنَا: وَهَلْ تَظُنُّونِي كَافِرًا؟؟ أنَا مُؤمِنٌ بِاللهِ, وَالحَمْدُ للهِ!! عِندَ ذَلِكَ نَسألُهُ قَائِلِينَ: إِنَّ لِلإِيمَانِ بِاللهِ تَبِعَاتٍ وَتَكَالِيفَ يَنبَغِي أنْ يَقُومَ بِهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ وَكُلُّ مُكَلَّفٍ, فَلِمَ لا تُصَلِّي؟ وَحِينَ يَرَى نَفسَهُ قَدْ أُسْقِطَ فِي يَدِهِ, وَعَجِزَ عَنِ الإِجَابَةِ, فإنه يَتَّخِذُ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى الْمُحِيطَ بِكُلِّ شَيءٍ, وإِرَادَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَاهِرَةَ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ يَتَّخِذُهُمَا تَكُأَةً لِتَبرِيرِ تَقصِيرِهِ فِي أدَاءِ مَا افتَرَضَ اللهُ عَلَيهِ, وَيَقُولُ لَنَا: اللهُ يَعلَمُ مَا فِي قَلْبِي مِنَ الإِيمَانِ, وَيَعْلَمُ اللهُ أيضًا أنَّ لَدَيَّ إِيْمَانٌ فِي قَلبِي أقوَى مِنْ إِيْمَانِ بَعضِ مَنْ يُصَلُّونَ بِالصَّفِّ الأوَّلِ فِي المَسجِدِ, وَأنَّنِي حِينَ يَهْدِينِي اللهُ سَأهتَدِي, وعِندَمَا يُرِيدُ اللهُ لِيَ التَّوبَةَ سَأتُوبُ وَأُصَلِّي!!
وَالحَقُّ أنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَأمثَالَهُ مَعذُورُونَ وَلا يُلامُونَ؛ لأنَّهُمْ بُسَطَاءُ, وَلَمْ يَنَالُوا مِنَ العِلْمِ حَظًّا وَافِرًا حَتَّى يَعلَمُوا أنَّ عِلْمَ اللهِ وَإِرَادَتَهُ لا دَخْلَ لَهُمَا بِفِعْلِ العَبدِ, إِنَّمَا الَّذِينَ يُلامُونَ وَلا يُعذَرُونَ هُمُ العُلَمَاءُ الَّذِينَ أطلَقُوا لِعُقُولِهِمُ العَنَانَ فِي أنْ يَبحَثُوا فِي كُلِّ شَيءٍ فِيمَا يُحَسُّ, وَفِيمَا لا يُحَسُّ, فَبَحَثُوا فِي عِلَمَ اللهِ, وَفِي إِرَادَةَ اللهِ مَعَ كَونِهِمَا مِمَّا لا يَقَعُ تَحْتَ الحِسِّ, وَلا مَجَالَ مُطلَقًا لِلبَحْثِ فِيهِمَا, فَلا أحَدَ مِنَ البَشَرِ, وَلا مِنْ غَيرِ البَشَرِ مُطَّلِعٌ عَلَى إِرَادَةِ اللهِ إِلاَّ أنْ يُخبِرَهُ اللهُ بِمُرَادِهِ عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ, كَمَا أخبَرَنَا فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ حَيثُ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ). (الأنفال 7) وَقَالَ فِي مَوضِعٍ آخَرَ يُخبِرُنَا عَنْ إِرَادَتِهِ: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). (البقرة 185)
أمَّا عِلْمُ اللهِ تَعَالَى فَلا أحَدَ مِنَ البَشَرِ وَلا مِنَ المَلائِكَةِ يَعلَمُ شَيئًا مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلاَّ أنْ يَعُلِّمَهُ اللهُ؛ لِذَلِكَ حِينَ عَلَّمَ اللهُ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). (البقرة 31) قَالَتِ المَلائِكَةُ: (سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). (البقرة 32) إنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى الْمُحِيطَ بِكُلِّ شَيءٍ لا يُخطِئُ, وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لا يُجْبِرُ العَبْدَ عَلَى القِيَامِ بِالعَمَلِ. وَلِكَي تَتَّضِحَ هَذِهِ الفِكْرَةُ فِي الأذْهَانِ نَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً مِنْ وَاقِعِ التَّعلِيمِ الَّذِي مَارَسْتُهُ مُدَّةً طَوِيلةً, وَلَهُ سُبحَانَهُ (الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). (الروم 27)
أمَّا الْمَثَلُ فَهُوَ أُستَاذٌ مِثلِي أصْبَحَ لَدَيهِ خِبْرَةٌ لا يُستَهَانُ بِهَا فِي التَّدرِيسِ حَتَّى صَارَ مِنْ مُجَرَّدِ إِجرَاءِ اختِبَارٍ تَشخِيصِيٍّ أوْ مِنْ مُجَرَّدِ رُؤيَتِهِ لِلطَّالِبِ الدَّارِسِ يَحكُمُ عَلَى مُستَوَاهُ التَّحصِيلِيِّ, وَمَدَى ذَكَائِهِ أو غَبَائِهِ أو قُوَّتِهِ أو ضَعفِهِ فِي الفَهْمِ, وَبِالتَّالِي إِمكَانِيَّةِ نَجَاحِهِ أو رُسُوبِهِ.
أرَأيتُمْ لَو أنَّ أحَدَ أولِيَاءِ أمُورِ الطُّلابِ جَاءَ فِي أوَّلِ العَامِ الدِّرَاسِيِّ يَسألُ الأُستَاذَ عَنْ مُستَوَى وَلَدِهِ فِي الدِّرَاسَةِ, وَحَسَبَ عِلْمِ الأُستَاذِ وَخِبرَتِهِ أجَابَهُ قَائِلاً: إِنَّ مُستَوَى وَلَدِكَ فِي الدِّرَاسَةِ ضَعِيفٌ جِدًّا, يَحتَاجُ إِلَى تَقوِيَةٍ, وَإِنْ بَقِيَ عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ مِنَ الضَّعْفِ فَلَنْ يُفلِحَ, وَلَنْ يَنجَحَ فِي دُرُوسِهِ هَذَا العَامَ, وَحَدَثَ مَا كَانَ مُتَوَقَّعًا, حَيثُ بَقِيَ الدَّارِسُ عَلَى حَالِهِ مِنَ الضَّعفِ, وَفِي نِهَايَةِ العَامِ الدِّرَاسِيِّ أسفَرَتِ النَّتِيجَةُ عَنْ رُسُوبِ هَذَا الطَّالِبِ فِي الامتِحَانَاتِ. وَالسُّؤَالُ الَّذِي يَبرُزُ الآنَ هُوَ: هَلْ لِخِبْرَةِ الأُستَاذِ وَلِعِلمِهِ دَخْلٌ أو أثَرَ فِي نَجَاجِ أو رُسُوبِ الطُّلابِ؟ أمْ أنَّ جِدَّ الطَّالِبِ وَاجتِهَادَهُ هُمَا السَّبَبُ الأسَاسِيُّ فِي نَجَاحِهِ أو رُسُوبِهِ؟ إِذ لَو جَدَّ الطَّالِبُ, وَأخَذَ بِنَصِيحَةِ أُستَاذِهِ, وَقَوَّى نَفسَهُ لَحَصَلَ عَلَى النَّجَاحِ. وَأمَّا نتِيجَةُ المَثَلِ, فَإِنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى لا دَخْلَ لَهُ بِفِعْلِ العَبدِ كَمَا أنَّ عِلْمَ الأُستَاذِ لا دَخْلَ لَهُ بِنَجَاحِ أو رُسُوبِ الطَّالِبِ الدَّارِسِ.
يَرُدُّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ عَلَى أولَئِكَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ مِنْ عِلْمِ اللهِ وَإِرَادَةِ اللهِ تَكُأةً لِتَبرِيرِ تَقصِيرِهِم فِي أدَاءِ مَا افتَرَضَهُ عَلَيهِم, وَيُمكِنُ أنْ نُجْمِلَ رَدُّهُ فِي النِّقَاطِ الأسَاسِيَّةِ الآتِيَةِ:
أولا: علم الله تعالى:
عِلْمُ اللهِ تَعَالَى لا يُجْبِرُ العَبْدَ عَلَى القِيَامِ بِالعَمَلِ.
عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أنَّ العَبْدَ سَيَقُومُ بِالعَمَلِ مُختَارًا.
لَمْ يَكُنْ قِيَامُ العَبْدِ بِالعَمَلِ بِنَاءً عَلَى عِلْمِ اللهِ، بَلْ كَانَ فِي العِلْمُ الأزَلِيُّ أنَّهُ سَيَقُومُ بِالعَمَلِ.
لَيسَتِ الكِتَابةُ فِي اللَّوْحِ الْمَحفُوظِ إلاَّ تَعبِيرًا عَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِ اللهِ بِكُلِّ شَيءٍ.
ثانيا: إرادة الله تعالى:
إِرَادَةُ اللهِ تَعَالَى لا تُجْبِرُ العَبْدَ عَلَى القِيَامِ بِالعَمَلِ.
إِرَادَةُ اللهِ تَعَالَى آتِيَةٌ مِنْ حَيثُ إِنَّهُ لا يَقَعُ فِي مُلْكِهِ إلاَّ مَا يُرِيدُ، أيْ لا يَقَعُ شَيءٌ فِي الوُجُودِ جَبْرًا عَنَهُ.
إِذَا عَمِلَ العَبدُ عَمَلاً وَلَمْ يَمنَعْهُ اللهُ مِنْهُ, وَلمْ يُرْغِمْهُ عَلَيْهِ، بَلْ تَرَكَهُ يَفعَلُ مُختَارًا, فَإِنَّ ذَلِكَ يَعنِي أمرَينِ اثنَينِ:
أنَّ فِعلَهُ هَذَا كَانَ بِإِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى لا جَبْراً عَنهُ.
أنَّ فِعْلَ العَبدِ نَفسِهِ كَانَ بِاختِيَارِهِ، وَكَانَتِ الإِرَادَةُ غَيرَ مُجْبِرَةٍ عَلَى العَمَلِ.
يَخْتِمُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَحْثَ مَسألَةِ القَضَاءِ وَالقَدَرِ مُبَيِّنًا الآثَارَ الإِيجَابِيَّةَ الَّتِي تَنتُجُ عَنِ الإِيمَانِ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ فَيَقُولُ: “هَذِهِ هِيَ مَسألةُ القَضَاءِ وَالقَدَرِ، وَهِيَ تَحْمِلُ الإِنسَانَ عَلَى فِعْلِ الخَيرِ, وِاجتِنَابِ الشَّرِّ حِينَ يَعلَمُ أنَّ اللهَ مُرَاقِبُهُ وَمُحَاسِبُهُ، وَأنَّهُ جَعَلَ لَهُ اختِيَارَ الفِعْلِ وَالتَّركِ، وَأنَّهُ إنْ لَمْ يُحْسِنِ استِعمَالَ اختِيَارِ الأفعَالِ، كَانَ الوَيلُ لَهُ وَالعَذَابُ الشَّدِيدُ عَلَيهِ، وَلِذَلِكَ نَجِدُ المُؤمِنَ الصَّادِقَ المُدرِكَ لِحَقِيقَةِ القَضَاءِ وَالقَدَرِ، العَارِفَ حَقِيقَةَ مَا وَهَبَهُ اللهُ مِنْ نِعْمَةِ العَقْلِ وَالاختِيَارِ، نَجِدُهُ شَدِيدَ الْمُرَاقَبَةِ للهِ، شَدِيدَ الخَوْفِ مِنَ اللهِ، يَعْمَلُ لِلقِيَامِ بِالأوَامِرِ الإِلَهيَّةِ وَلاجتِنَابِ النَّوَاهِي، خَوفًا مِنْ عَذَابِ اللهِ وطَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَحُبًّا فِي اكتِسَابِ مَا هُوَ أكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ألا وَهُوَ رِضْوَانُ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه