Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة المـائة وتسع

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

 

الحلقة المـائة وتسع

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “طوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس”. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء”. والغرباء هم النزاع من القبائل، روى الدارمي وابن ماجة وابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى وأحمد، بإسناد رجاله ثقات، واللفظ له، عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء؟ قال النزاع من القبائل”. قال في اللسان: “ونزاع القبائل غرباؤهم الذين يجاورون قبائل ليسوا منهم الواحد نزيع ونازع … هو الذي نزع عن أهله وعشيرته، أي بعد وغاب”. ومن حلية هؤلاء الغرباء النزاع وما قيل فيهم:

 

أولا: ” يصلحون عند فساد الناس” بدليل حديث عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة المزني رضي الله عنه عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل. إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا, فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي”. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. ومعنى يأرز: أي ينضم ويجتمع والأروية: الشاة الواحدة من شياه الجبل, والجمع أروي. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

 

ثانيا: غرباء: فالغرباء ليسوا الصحابة لأنهم يأتون بعد أن يفسد الناس طريقة محمد صلى الله عليه وسلم في العيش، والصحابة رضوان الله عليهم لم يفسدوها ولم تفسد في زمانهم. وبدليل حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قالوا: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس”. هذه رواية الطبراني في الكبير. وفي الأوسط والصغير: “يصلحون إذا فسد الناس” ولفظ “إذا” يستعمل لما يستقبل من الزمان, وفيه دلالة على أن الفساد يكون بعد عصر الصحابة. هذا الحديث قال عنه الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة, ورجاله رجال الصحيح غير بكر بن سليم وهو ثقة.

 

ثالثا: قليلون: روى أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: “كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وطلعت الشمس، فقال: يأتي الله قوم يوم القيامة، نورهم كنور الشمس، فقال أبو بكر: أنحن هم يا رسول الله؟ قال: لا، ولكم خير كثير، ولكنهم الفقراء والمهاجرون الذين يحشرون من أقطار الأرض. وقال: طوبى للغرباء، طوبى للغرباء، طوبى للغرباء، فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم”. قال الهيثمي له في الكبير أسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح. وينبغي التنبه إلى أن ميزة الغربة ليست أفضل من ميزة الصحبة، فالغرباء النزاع ليسوا أفضل من الصحابة، فقد تميز بعض الصحابة بميزات خاصة غير ميزة الصحبة, ولم تجعلهم أفضل من أبي بكر، وتميز أويس القرني بميزة خاصة لم تجعله أفضل من الصحابة وهو تابعي. فكذلك الغرباء النزاع.

 

رابعا: قوم من أفناء الناس: أخرج الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الشهداء والنبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ومجلسهم منه فجثا أعرابي على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، صفهم لنا وحلهم لنا. قال: قوم من أفناء الناس من نزاع القبائل تصادقوا في الله وتحابوا فيه، يضع الله عز وجل لهم يوم القيامة منابر من نور يخاف الناس ولا يخافون، هم أولياء الله عز وجل الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”. قال في اللسان: “أفناء أي أخلاط الواحد “فنو” وهذه الصفة موجودة في حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عند أحمد بلفظ: “هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل”. وعند الطبراني في الكبير: “من بلدان شتى”.

 

خامسا: يتحابون بروح الله: أي بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، أي أن الذي يربط بينهم هو مبدأ الإسلام لا غير، ولا تربط بينهم أية رابطة أخرى، لا رابطة نسب أو قرابة، ولا رابطة مصلحة أو منفعة دنيوية. أخرج أبو داود بإسناد رجاله ثقات عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى”. قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: “هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس”. وقرأ هذه الآية {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. (يونس62)

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي