هذا هو الحج وهذه هي عظمته
قال سبحانه تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» سنن أبي داود، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ» قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». صحيح البخاري
إن الله سبحانه وتعالى فرض الحج على المسلم المستطيع مرةً واحدةً في العمر، هي حجة الإسلام ﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾، والحج عبادة صرفة، وكل نسك من مناسكه يدل على أن الله تعبّد به عباده، يستشعر معه المسلم عبوديته للخالق تبارك وتعالى.
ولذلك تجد ملايين المسلمين من كافة أنحاء العالم تهفو نفوسهم في كل عام لأداء هذا الفرض العظيم، والذي هو ركن من أركان الإسلام الخمسة، قال رسول الله r «بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» متفق عليه أخرجه البخاري. إلا أن الصد الذي يمارسه حكام المسلمين عن البيت الحرام، كما مارسوه عن تحكيم شرع الله، يحول بين المسلمين وبين أداء هذا المنسك العظيم، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، فتحديد نسبة معينة للمسموح لهم بالحج من كل بلد وهي نسبة واحد بالألف، هو صد عن المسجد الحرام، وفيه منع للمسلمين من أداء هذه الفريضة الواجبة عليهم، وتحديد سن معيّن للمسموح لهم بأداء فريضة الحج هو صَدٌّ عن المسجد الحرام، وفرض رسوم على الحجاج من مثل رسوم التأشيرة، والطواف والنقليات هو أخذ لمال الناس بدون وجه حق، وهو نوع من الصّد عن المسجد الحرام.
هذا وتحل هذه المواسم العظيمة، العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، وعيد الأضحى المبارك، والحج هذا العام، كعشرات الأعوام منذ أن هدمت دولة الخلافة العثمانية، والمسلمون منشغلون بهمومهم ومشاكلهم، وما حل ونزل بهم من مآسٍ ونكبات وويلات. فيذهب ملايين المسلمين إلى الحج وهم حاملون معهم هذه الهموم ليشكوا بثهم وحزنهم إلى الله العزيز المتعال، يرفعون له سبحانه وتعالى أكف الضراعة أن يزيل عنهم ما هم فيه من بلاء وعناء، ماثلة أمام أعينهم، ولا تفارق ذاكرتهم الجرائم التي ترتكبها أمريكا وبريطانيا ومن خلفهما الغرب الصليبي الكافر بحق المسلمين في اليمن وأفغانستان، وفي ليبيا وباكستان، وما يقوم به هذا الغرب الحاقد من مجازر تقشعر لها الأبدان، وتشيب من هولها الولدان، ضد المسلمين في الشام مباشرة أو من خلال حلفائه وعملائه وأدواته وأشياعه المحليين، وسعيهم الحثيث لإجهاض ثورة أهل الشام المباركة منعاً لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، كما لا يغيب عن بال حجاج بيت الله الحرام وهم يتذللون إلى الله العزيز الجبار راجين رحمته واستجابة دعائهم، لا يغيب عن بالهم إجرام إخوان القردة والخنازير يهود في الأرض المباركة (فلسطين) الذين غطوا بحقدهم وإجرامهم على كل إجرام، ولا إجرام روسيا ومجازرها بحق أهل الشيشان والقوقاز ثم بحق أهل سوريا، ودعمها لطاغية الشام، ولا إجرام الهندوس عبدة البقر، بحق المسلمين في كشمير وبنغلادش وباكستان، ولا إجرام البوذيين عبدة الأصنام بحق مسلمي أراكان (بورما)، ولا إجرام الصين بحق المسلمين في تركستان الشرقية، والتي توجتها بمنعهم من الصوم في شهر رمضان المبارك، ولا وإجرام وإجرام.. فقائمة جرائم الكفار بحق المسلمين طويلة، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يقف المسلمون بين يدي ربهم ليشكوا له حكامهم الذين يتواطؤون مع أعدائهم عليهم، يقفون بين يديه وقلوبهم كسيرة وأيديهم قصيرة وألسنتهم تلهج ودموعهم تذرف سائلينه جل في علاه أن يكشف عنهم ما هم فيه من ذل وعذاب، ويفك عنهم هذا العقال، ويزيح عنهم هذه الهموم، ويريحهم من حكامهم الخونة العملاء.
فمنذ هدم دولة الخلافة العثمانية تبدلت أوضاع المسلمين وأحوالهم، وصاروا محرومين من الخليفة الذي يسوسهم بأحكام الإسلام، ويرعى شئونهم بالعدل والإنصاف، ويبلغهم مبالغ العز والمجد بالجهاد في سبيل الله، وأصبح يحكمهم حكام خونة عملاء نصبهم الغرب الكافر على رقابهم ليذيقوهم سوء العذاب، ولينفذ الغرب الصليبي من خلال أولئك الحكام مشاريعه في سلب ثروات المسلمين ونهب مقدراتهم، ونشر أفكاره الهدامة ومفاهيمه وقيمه الفاسدة في بلاد المسلمين.
هذه هي حال المسلمين للأسف بعد هدم خلافتهم، فبدل أن يقودهم أمير يوحد كلمتهم ويجمع صفهم، يحبهم ويحبونه، ويدعو لهم ويدعون له، يخطب فيهم وينصح لهم كما فعل رسول الله r في خطبته بعرفة في حجة الوداع، وكما كان يفعل الخلفاء حيث كانوا يجتمعون مع ولاتهم يستطلعون منهم أحوال الرعية ويطمئنون عليهم، وحيث كانوا يسألون المسلمين عن الولاة والعمال ليأخذوا الحق للرعية منهم إن ظلموا ويحاسبوهم على تقصيرهم إن قصروا.
إن الحج هو من شعائر الله التي تجمع المسلمين كلهم على صعيد واحد، وتتجلى فيه وحدة المسلمين في كثير من المظاهر منها: وحدة الشعائر، ووحدة المشاعر، ووحدة الهدف، ووحدة الحال، فلا إقليمية ولا عنصرية ولا عصبية للّون أو الجنس أو الطبقة، فالرب واحد، والدين واحد، والقبلة واحدة، فالحج يربط الحياة الدنيا بالدار الآخرة برباط الطاعة والخضوع لله سبحانه وتعالى واللجوء إليه وحده في كل أمر، واستغفاره والتوبة إليه عز وجل من كل ذنب.
نعم إن اجتماع ملايين المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وعلى اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأعراقهم، ورغم تعدد انتماءاتهم الجهوية والحزبية؛ إن اجتماعهم في صعيد واحد، يلبون بصوت واحد “لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك“، يؤكد أن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة من دون الأمم، وأنف حكام المسلمين وأسيادهم الغرب الصليبي الحاقد راغم.
إن فرائص الكفار ترتعد من جموع الحجيج وهم يطوفون حول بيت واحد، ويسعون في مسعىً واحد، ويقفون في موقف واحد. لذلك عمدوا هم وعملاؤهم إلى ضرب أهمية وحيوية اجتماع المسلمين في حجهم؛ وذلك بإفقاد هذا الحج حقيقته وقوته ووحدته، في شكله ومضمونه، فكان من أهم وأخبث ما صنعوا أن جمعوا كيدهم في حروب ومؤامرات وشراء ذمم وعملاء حتى تمكنوا من القضاء على الخلافة العثمانية في بدايات القرن الماضي، فأزالوا بذلك قوة جموع الحجيج في مناسك حجهم ومقامهم في بلادهم، فبعد أن كانوا جماعةً واحدةً، في ظل راية واحدة، تحت إمرة أمير واحد، صاروا جموعاً متفرقةً، تجتمع في مناسك الحج، وتتفرق بعدها، تحت حكم دويلات الضرار التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إن موسم الحج وعيد الأضحى المبارك شاهد على وحدتنا نحن المسلمين، وهو يستصرخنا أن نعيد لحمتنا، ونوحد صفنا، ونقيم دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ونبايع خليفتنا؛ وبذلك فقط نعود جماعة متماسكة قوية، يقودنا خليفتنا، يقيم فينا كتاب الله، ويجاهد بنا في سبيل الله، لتحرير بلادنا المغتصبة، ولنشر الإسلام رسالة نور وهداية للبشرية جمعاء.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الملك
2016_09_11_Art_This_is_the_pilgrimage_and_here_is_its_greatness_AR_OK.pdf