Take a fresh look at your lifestyle.

الحديث الشريف – لا حصانة أمام حدود الله

 

الحديث الشريف

لا حصانة أمام حدود الله

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، وحدثنا محمد بن رمح، أخبرنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!» ثُمَّ قَامَ فخْطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رواه مسلم.

إن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبيه محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، أما بعد،

 

إن هذا الحديث العظيم يسطر لنا نحن المسلمين الذين ارتضينا الإسلام دينًا، خطًا عريضًا، وهو أن حدود الله لا يُسمح لأحد بتجاوزها، مهما كانت منزلته في الدنيا، أو حتى قربه من الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه. فحدود الله لا يملك أحد تعطيلها أو الاقتراب منها، إلا ووقع في المحظور، وعادى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستحق عقاب الله عز وجل في الدنيا والآخرة. 

 

الأمر الآخر الذي يشير إليه الحديث، وهو في غاية الأهمية، هو سبب هلاك الذين من كانوا قبلنا، وهو قيامهم بالمعاصي، بل وأشدها (الظلم)، حيث كانوا لا يعدلون بين الناس، ويميزون بينهم على أساس النسب، أو المكانة في المجتمع التي يتصدرها… لكن العدل يجب أن يكون أساس الحكم، فلا فرق بين الغني والفقير، ولا الشريف والضعيف، أمام أحكام الله تعالى، فكلنا أمام الله عباد، لا فرق بيننا إلا بالتقوى، وتلك لا يعلمها إلا الله.

 

الأمر الآخر الذي أرشد إليه الحديث، هو أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، خاتم الأنبياء، والمقرب لعرش الرحمن، ورئيس الدولة الذي يقضي بين الناس ويحكم بينهم بما أمر الله، لا يملك أن يشفع لأقرب خلق الله إليه، إلى ابنته، في حدّ من حدود الله تعالى، لا يملك سوى تطبيق الشرع على نفسه وعلى كل رعاياه، مهما كانت منزلتهم ومكانتهم وقربهم إليه. 

 

فكيف بنا هذه الأيام حيث لا حدّ من حدود الله يطبق، ولا أحد يقوم على تطبيقها، بل أصبح الناس يضعون الحدود من عقولهم وعلى هواهم ويطبقونها على أنفسهم! فيشرعون من دون الله. بل ويخرجون علينا بما يُسمى بالحصانة، حيث لا يحاسب صاحبها إذا تعدى حدًّا من حدودهم.

 

فالله نسأل أن يعيد ميزان العدل، بأن يولي أمرنا خيارنا، وأن يصلح حالنا، ويرفع الغمة عنا، وأن يعجل بالفرج القريب، فتطبق علينا الحدود، التي تحفظ أحكام الله، وتضمن الأمن والهناءة للناس.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح