خطبة يوم عرفة وتلبيس المفاهيم على المسلمين
الخبر:
قال الشيخ عبد الرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في خطبة يوم عرفة: “إنّ الأمّة الإسلامية تمرّ بمرحلة تتطلّب منّا تضامناً وتنسيقاً في مواقفنا لمواجهة التحدّيات“، ودعا قادة الأمّة “لتوحيد كلمتهم والابتعاد عن أسباب الفرقة والشتات” وأشاد بـ”الجهود المضاعفة التي بذلها خادم الحرمين في خدمة الحجّاج“، وهاجم ما أسماه بـ(الإرهاب) فقال: “إنّ العالم ابتلي في هذا العصر بآفة (الإرهاب) الذي عمّ شرّه الأمم والأعراق“، وقال بأنّ “الأمّة الإسلامية ابتليت ببعض أبنائها الذين أغوتهم الشياطين فصرفتهم عن منهج الإسلام المعتدل” على حدّ قوله.
التعليق:
إنّ التضليل الذي يقوم به خطباء السلاطين في دولة آل سعود يرمي إلى إبعاد المسلمين عن أفكار وأحكام الإسلام الطبيعية، كالدعوة إلى وحدة المسلمين في كيانٍ واحد، وكالجهاد في سبيل الله، وكتطبيق شرع الله في كل مجالات الحياة، والاستعاضة عنها بالحديث عن الإسلام في العموميات، وبأفكار ضبابية غير واضحة، والابتعاد عن تحديد المفاهيم الصحيحة، وعدم بلورة الخطاب الإسلامي الموجّه إلى الملايين بما يدفعهم للعمل وفقاً للأحكام الشرعية، وغلبة الجمل الإنشائية على الخطاب، وعدم توضيح الأفكار الدعوية في جُملٍ محدّدة الأهداف، والاقتصار على الجمل ذات المعاني الفضفاضة التي تُشتّت الأذهان، وتصرفها عن الفهم الصحيح المُفضي للقيام بالأعمال.
ولو أخذنا خطبة الشيخ السديس في يوم عرفة لجموع المسلمين في ذلك الموقف المهيب كمثال على هذا النوع من الخطابات الرسمية المُحبطة لهمم المسلمين، والمشحونة بكل معاني التضليل والتلبيس، لوجدناها مثالاً مقصوداً وبتعمّد لضرب أهم محاور الخطاب الإسلامي الشرعي.
فبدلاً من الحديث عن مفهوم الوحدة بين المسلمين ووجوب قيام دولة الإسلام الواحدة التي تجمع الشعوب الإسلامية في دولة الخلافة على منهاج النبوّة نجده يتحدّث بكلام عام عن (التضامن والتنسيق)، وعن (وحدة الكلمة والابتعاد عن الفرقة والشتات)، من دون أنْ يُحدّد الطريقة والآليات التي تؤدي إلى تحقيق ذلك.
وبدلاً من مطالبته الحكام بالعمل على نصرة المسلمين المظلومين في كل مكان بالأفعال، والوقوف معهم بالعمل، وتحرير بلدانهم المغتصبة في فلسطين وكشمير والشيشان وغيرها بالجهاد، ومنع الحكام الطغاة من ارتكاب المجازر ضد الشعوب الإسلامية كما يجري في سوريا والعراق وبورما وأفريقيا الوسطى وغيرها بمواجهتهم، ودعم العاملين على إسقاطهم، نجده يُشيد بـ(خادم الحرمين) على جهوده في (خدمة الحجّاج)!
وبدلاً من إطلاق الدعوة للجهاد في سبيل الله، وكف أيدي الكفار المستعمرين عن إيذاء المسلمين واحتلال بلادهم، والتدخّل في شؤونهم، نجده يُهاجم فكرة الجهاد بالتدليس والتلبيس وربطها بفكرة (الإرهاب)!
وبدلاً من الدعوة الصادقة لتطبيق شرع الله في كل أنظمة الحياة؛ في الحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم وسائر العلاقات، وإقامة حدود الإسلام من خلال إيجاد دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، نجده يدعو إلى ما أسماه بـ(منهج الإسلام المعتدل) الذي تدعو له أمريكا وفرنسا وسائر دول الكفر والاستعمار!
هذه هي طريقة تلبيس المفاهيم على العقول التي يستخدمها خطباء السلاطين كمنهاج عمل يسيرون عليه في ضرب مُقوّمات الخطاب الإسلامي، وفي حرف المسلمين عن القيام بالأعمال الشرعية المطلوبة، وفي إبعادهم عن القيام بأي دور سياسي فاعل، وحصر العمل السياسي بالحكام العملاء الذين يتفانون في خدمة أسيادهم والتآمر على شعوبهم!!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد الخطواني