انتخابات البرلمان الأردني
الخبر:
جرت في الأردن يوم الثلاثاء 2016/9/20 انتخابات المجلس الثامن عشر للبرلمان الأردني وتم انتخاب 130 نائبا عن مختلف المحافظات والدوائر.
التعليق:
لا شك أن مفهوم النيابة والتمثيل في برلمانات الدول العلمانية المدنية يختلف بشكل جذري عنه في النظام الإسلامي. فنظام الإسلام السياسي يعتبر الشورى والتمثيل من قبل الرعايا ركيزة من ركائزه لضبط أعمال وتصرفات الخليفة والمعاونين والجهاز الإداري ومحاسبتهم على رعايتهم لشؤون الرعية. ولكن التشريع في نظام الإسلام له طريقة خاصة وهو استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية المنصوص عليها في القرآن والسنة وما أرشدا إليه من قياس وإجماع صحابة. ودور مجلس الشورى في هذا المقام لا يتعدى محاسبة الحاكم إن هو استنبط أحكاما وسن قوانينا لا تستند إلى أدلة شرعية بطريقة استنباط معتبرة. أما في نظام الدولة المدنية العلمانية فإن النواب يمثلون إرادة الجماعة والجماهير في الحكم والتشريع والرقابة.
فالدولة المدنية العلمانية تقر بأن إرادة الجماعة هي صاحبة الصلاحية المطبقة في التشريع وتنفيذ القوانين الصادرة عن هذا التشريع، وتعتبر نواب الشعب ممثلين للإرادة الجماعية صاحبة التشريع. ومن هنا كان مجلس النواب الذي انتخب للتو في الأردن يناقض أساسا وركيزة من ركائز الحكم في الإسلام، بل وأساسا عقديا يعتبر أن إرادة الله وحدها هي النافذة في الحكم والتشريع مصداقا لقوله تعالى ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ﴾ وقوله سبحانه ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾ وقوله جل وعلا ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
هذه واحدة. أما الثانية، فإن المفروض في برلمانات الدول العلمانية المدنية أن تمثل وجهة نظر الناس وتدافع عن مصالحهم وتكون حامية لهم من الظلم والتعسف والتغول في أموالهم وممتلكاتهم، وإن اختلفت نظرتهم لمعنى الظلم والتعسف والتغول. والحقيقة أن الأردن وبالرغم من علمانية الدولة ومدنيتها إلا أن الشعب في الأردن في غالبيته شعب مسلم، يدين بالإسلام ويقيم شعائر الإسلام ويحمل مشاعر الإسلام، بل ويتوق لأحكام الإسلام. وبالتالي فإن تمثيل النواب لهذا الشعب يجب أن لا يخرج على قواعد الإسلام وإن كان انتخابهم قد تم في برلمان لا يدين بالخضوع لقوانين وأحكام الإسلام. وليس أقل أن لا يقف النواب في الصف الذي يشهر سيف العداء والبغضاء للإسلام.
فمنذ بضعة أسابيع فرضت الحكومة في الأردن منهاجا تدريسيا في المدارس شنت به حربا على قيم الإسلام تحريفا وتغريبا وتهميشا. ولم تخجل الحكومة على حد تعبير نائب رئيس الوزراء جودت العناني أن تفرض منهاجا يهدف لمحاربة (الإرهاب) في طيات دروس الأطفال في المدارس. وهو لا شك يلحد إلى بعض نصوص القرآن والحديث التي كانت أصلا قد وضعت على استحياء في المناهج السابقة. فنواب الشعب تترتب عليهم مسؤولية محاسبة الحكومة على تحديها لدين ممثليهم ومشاعر الشعب الذي انتخبهم. وقد عبر عشرات الآلاف من الناس عن سخطهم على مناهج التربية غير الإسلامية.
ثم إن صندوق النقد الدولي قد انتهى لتوه في الأردن من فرض شروط قاسية نالت لقمة عيش الفقراء والمساكين، ما أرداهم في هوة الفقر أكثر وجعلهم بين مخالب الصندوق أفقر. فقد ارتفعت كثير من الضرائب المتعلقة بالمبيعات وبيع وشراء العقارات والمراكب وغيرها. كما زادت نسبة الدين العام التي يتحمل وزر فوائدها وخدمتها أفراد الشعب خاصة الفقراء والمساكين، حيث إن الأغنياء قد حمتهم القوانين والتشريعات الظالمة. ومن هنا فإن على النواب الذين انتخبهم شعب في أغلبيته مسلم مسؤولية كبيرة في وقف تدخل الصندوق الدولي في شؤون الناس وعدم تمكين الحكومة من التغول في أموال الناس لحساب الصندوق.
والحقيقة الثالثة هي أن الأردن ومنذ سنوات عديدة قد رهن نفسه من خلال حكومة لا ترقب في المسلمين والإسلام إلا ولا ذمة لما أسمته أمريكا حربا على (الإرهاب) وهو في حقيقته حرب على الإسلام، وقد ظهر هذا جليا في مناهج التربية الحديثة، وقوانين ضبط المساجد، والاعتقالات التي طالت مسلمين لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بأي شكل من أشكال عسكرة الإسلام واستعمال العنف. وأصبح ديدن الحكومة ليل نهار العمل والحديث والتحريض على حرب الإسلام تحت مسمى (الإرهاب) والعمل على إقصاء الإسلام عن المنابر والحيلولة بين الإسلام وبين العقول والقلوب، وحماية العلمانيين في تهجمهم الصريح على الإسلام والذات الإلهية ورسول الله e والقرآن والسنة. ومن هنا فإن نواب الشعب والذي هو في أغلبيته شعب مسلم يجب عليهم أن لا يقفوا مطلقا مع توجه الدولة وعملها في حربها على الإسلام تحت مسمى الحرب على (الإرهاب). فإن لم يقف النائب في صف الدعوة لرفع راية الإسلام والمطالبة بتطبيقه وتحكيم شرع الله، فلا أقل أن لا يحادّ الله ورسوله في أقواله وأفعاله وتصرفاته ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾.
ولا شك أن أهم قضية ستواجه هذا المجلس بعد قضية تحكيم الإسلام وإعلاء كلمته، هي قضية الانتهاء من قضية فلسطين بشكل نهائي على الطريقة الأمريكية، والتي تؤول إلى إنشاء كيان كونفدرالي بين دويلة مسخ تسمى فلسطين ودولة أكثر مسخا سميت الأردن الانتقالية، لينشأ كيان هزيل يجعل من دولة يهود صاحبة سيادة وشرعية على جل فلسطين. وكما أصدر مجلس عام 1994 والذي شارك فيه نواب عن حركة إسلامية عريقة صك خيانة لا زالت آثاره ماثلة على جبهات من أعطوه، فإن هذا المجلس بتركيبة مشابهة يراد منه توطيد أركان الخيانة بإنهاء قضية فلسطين نهائيا من خلال إنشاء كيان كونفدرالي لا طعم له ولا لون ولا رائحة. ونحن من هنا إذ نبين للمجلس ما يراد له وبه من خسة وخيانة، فإننا نحذره من تمرير أي من المشاريع التي يراد منها تمكين يهود من فلسطين بصك خيانة قد يجعل من قضية تحرير فلسطين أقسى وأشد مما هي عليه الآن بمرات ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد ملكاوي