الرأسمالية وأزمة المخدرات الدائمة
(مترجم)
الخبر:
اكتسبت الحرب الشاملة على المخدرات التي يشنها الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي اهتمامًا وانتقادًا دوليين. كما ذكر مراسل آسيوي، أنه قد قتل نحو 1466 شخصًا في عمليات الشرطة الوطنية الفلبينية. وفي هذه الأثناء، قتل 1490 شخصًا آخرين على يد مجموعة سمح لها قانونيًا أن تنفذ القانون بيديها. وكلهم قد ماتوا خلال الشهرين الماضيين بعد أن أُعلنت الحرب الشاملة على المخدرات.
إن هذه الحرب المستعرة في الفلبين في الحقيقة ليست شيئًا جديدًا في دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا. فقد أفادت التقارير بأن إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وفيتنام قامت بتنفيذ عقوبة الإعدام بشكل روتيني على المجرمين المرتبطين بالمخدرات خلال السنوات الخمس الماضية. وتعاني دول جنوب شرق آسيا من نسب مرتفعة في معدل تهريب المخدرات. وتُعرف منطقة ميانمار وتايلاند ولاوس باسم “المثلث الذهبي” فهي تزود جميع أنحاء العالم بنحو 30٪ من مواد الأفيون الخام.
وقد اتفقت جميع دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا في عام 1998 على إعلان المنطقة منطقة خالية من جرائم المخدرات بحلول عام 2015. ومع ذلك، فقد أظهرت بيانات مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة اتجاهًا مغايرًا: فقد تضاعف تهريب المخدرات أضعافًا كثيرة. في الواقع تضاعف إنتاج الأفيون والهيروين في منطقة المثلث الذهبي ثلاثة أضعاف في العام الماضي مقارنة بعام 2008. أما بخصوص إندونيسيا، فقد أظهرت بيانات الشرطة الوطنية الإندونيسية أن حالات جرائم المخدرات ترتفع سنويًا بنسبة 13.6 في المئة.
التعليق:
أصبحت المخدرات في هذا العصر الحديث أزمة دائمة، لأن هناك طلبًا مستمرًا عليها، أي من أجل إشباع متع الناس اليائسين في ظل حضارة اليوم العلمانية. فالمخدرات، بالإضافة إلى أن ديمومتها تعود إلى النظام الاقتصاد الرأسمالي، فإن هذه التجارة التي تقدر بالملايين تنمو وتتوسع بسبب القيم العلمانية التي تشجع على نحو دائم الحرية المطلقة داخل المجتمعات، وفي الوقت نفسه تنشر اليأس والبؤس بوصفها مفاهيم تنزع الصفات الإنسانية في كل مكان. نعم، لقد حافظت المجتمعات المتسامحة والمكتئبة والتي تقوم على أساس إشباع المتع والرغبات بالإضافة إلى الجرائم والبيروقراطية الفاسدة على توفر الطلب الدائم على المخدرات.
ولهذا السبب فقد قام دوتيرتي باتخاذ خطوات متطرفة وشرع في خوض حرب عمياء لمكافحة المخدرات في بلاده في الوقت الذي بلغ فيه يأسه مبلغه من حجم المشكلة وتأثيرها على المجتمع في بلاده. ومع ذلك، فإن دوتيرتي وجوكوي وغيرهم من قادة دول جنوب شرق آسيا يتعاملون، في الواقع، مع حلقة خبيثة يصعب كسرها والتخلص منها وخصوصًا من القيم الأساسية ونظام الحضارة. وتعود جذور المشكلة كلها لطبيعة المبدأ الرأسمالي المتطرف. وتتميز الحضارة الغربية بثلاثة أمور: العلمانية، والواقعية، وإشباع الرغبات – كما شرح ذلك العلامة تقي الدين النبهاني رحمه الله – والتي نقلت نفس الخصائص لواقع الحياة في مجتمعات دول جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى نتائجها المدمرة المباشرة.
والنزعة الفردية المتطرفة، وهي ثمرة العلمانية الخبيثة، قد أنتجت جيلًا متصدعًا فكريًا، فارغًا روحيًا، جيلًا فشل في فهم واقع الحياة وكذلك لا يملك تصورًا حقيقيًا صادقًا عنها. وهذا الجيل عرضة للافتتان بأسلوب الحياة الغربية التي تقوم على المتع والمصالح الذاتية، وبالتالي هو أيضًا قد أصبح فريسة سهلة للوقوع في بؤر الإجرام المتعددة. وقد سمى ذلك الأستاذ الماليزي، الأستاذ الدكتور محمد كمال حسن، باسم “متلازمة شيكاغو”؛ متلازمة الحضارة الغربية وأعراضها “وجود تقدم اقتصادي ولكن المعاناة من دمار حضاري”.
ولذلك، فإنه يجب على شعوب جنوب شرق آسيا أن تتخلص من تطرف القيم الليبرالية والتعصب العلماني، و(الإرهاب) الرأسمالي. فقد أصبح المبدأ الرأسمالي “حزامًا ناقلًا” لكبار زعماء العصابات وتجار المخدرات. ولا يبلغ عدد ضحايا هذا المبدأ العفن المئات أو الآلاف، بل الملايين – وهذا هو بالضبط التهديد الحقيقي لمجتمعنا ولأجيال شبابنا القادمة.
ويجب ألا يصاب بالذعر قادة البلاد الإسلامية في جنوب شرق آسيا، ويقوموا باتخاذ خطوات متطرفة كما فعل دوتيرتي، وعليهم ألا يتبنوا “سياسة اجتثاث التطرف” بشكل أهوج أعمى ومن ثم يوجهونها ضد الإسلام، ولكن على العكس من ذلك، فإنه يجب عليهم أن يقوموا بشكل جدي باجتثاث التطرف من مجتمعهم من خلال اجتثاث القيم الرأسمالية العلمانية الخطيرة.
وهذه الجهود لا يمكن أن تتكلل بالنجاح إلا من خلال الإسلام، وعندها لن تكون هناك حاجة لإنفاق ملايين الأموال على أبحاث علمية حول كيفية التخلص من المخدرات، فالإسلام كاف بل وأكثر من ذلك. فقد قال سيد قطب رحمه الله: “الإسلام يقضي على العادات المتأصلة في المجتمعات الجاهلية ببضع صفحات من القرآن الكريم”.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فيكا قمارة