معارك شرسة بين الجيش (السوري) والمعارضة في حلب
الخبر:
عنوان لوكالة رويترز 2016/9/30 توثق فيه المعارك الطاحنة بين الثوار في حلب والنظام وحلفائه حول مخيم حندرات وحي سليمان الحلبي في حلب، يضاف إلى عناوين أخرى لنفس الوكالة عن إرسال روسيا لمزيد من الطائرات ومواصلة الغارات الوحشية الروسية وللنظام على حلب، وعنوان آخر عن أن التعاون الروسي الأمريكي في سوريا تحت الإنعاش…
التعليق:
إذا كانت تفاصيل المحرقة التي أوصت أمريكا النظام وإيران وروسيا ببدئها في حلب يتابعها الناس عبر مختلف وسائل الإعلام، فدعونا نضع النقاط على الحروف في بعض المواقف الإقليمية والدولية وكذلك المحلية:
أولاً: من حيث المواقف الدولية، فإن روسيا تزيد من إرسال سلاحها إلى سوريا، وتزيد في قصفها لحلب وباقي المناطق السورية، في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بلعبة إعلامية مفادها أنها ضد الأعمال الوحشية الروسية في سوريا. والحقيقة التي يعرفها السياسي المتابع للوضع في سوريا وحولها أن أمريكا هي من يقف وراء هذا الإجرام كله، فأمريكا هي أم الإجرام، وهي خزان شر كبير، فهي التي دفعت عميلها بشار إلى القتل والمجازر في محاولة منها لإنهاء الثورة، ولما لم يتمكن من ذلك، وكاد أن يسقط دعمته بإيران ومليشياتها من لبنان وأفغانستان، أي جماعة الممانعة، ولما تعبت إيران وظهر عليها الإعياء أنقذتها أمريكا باتفاق إيران النووي في جنيف، ولكن كل ذلك لم ينفع في قمع الثورة السورية التي اتخذت مبكراً شعارات عقائدية مثل “ما لنا غيرك يا الله”، ومع الإعياء الإيراني قامت أمريكا باستقدام روسيا في لعبة مكشوفة لزيادة القمع والتنكيل في سوريا، ومنعاً لتدخل أي من الدول الكبرى الأخرى في الأزمة السورية، حتى يبقى حلها أمريكياً صرفاً، لذلك صنعت أمريكا ثنائي كيري-لافروف لمداولات الأزمة السورية، وأخيراً أعلنت أمريكا وروسيا الهدنة من جديد بعد عيد الأضحى المبارك الأخير، ظناً منهم أن الثوار سيستجيبون لذلك.
لكن أمريكا تفاجأت بأن الجراح العميقة التي أصيبت بها سوريا لم تدفع الثوار والشعب للاستسلام لأمريكا وروسيا وإيران والنظام، وكلهم في سلة واحدة، فرفض الثوار وقف النار وخرجت المظاهرات المنادية بإسقاط النظام، بل وبإسقاط قادة التنظيمات التي توافق على وقف النار. فرجعت أمريكا عن الهدنة لتستريح قليلاً، وهذه الاستراحة تعني المزيد من عمليات الإحراق في حلب، وهذا ما هو جارٍ بالفعل من روسيا وإيران والنظام.
وأما التصريحات الآتية من واشنطن التي تنتقد روسيا وتهدد بوقف التعاون معها في سوريا، فكل ذلك من باب التضليل الإعلامي وتضليل الأمة والثوار في سوريا، على أمل أن تسلم الفصائل المقاتلة لأمريكا حبل المفاوضات، وإنهاء الأزمة سلمياً مع استمرار عميل أمريكا بشار في السلطة حتى تتمكن من صناعة عميل جديد بديل له دون ضغط ميداني. لذلك فكل ما يخرج عن أمريكا ضد روسيا هو لذر الرماد في العيون، فالمحرقة مستمرة ولا توقفها تصريحات أمريكا، بل إن أمريكا تتصل بروسيا وتطلب منها عدم الالتفات إلى ما يصدر عن مسؤوليها للإعلام، أي تطلب منها استقدام المزيد من آلة الحرب عسى أن يؤدي ذلك في النهاية إلى تركيع ثورة وثوار وشعب خرج يقول “ربي الله”، وأمريكا وروسيا في ذلك فاشلان فشلاً لا حدود له.
وثانياً: إقليمياً، يذهب إلى تركيا جواد ظريف، وزير خارجية إيران لبحث ما يمكن للطرفين عمله لإنقاذ النفوذ الأمريكي في سوريا، وهو ما يطلقان عليه، وقف الحرب الأهلية، فإيران تدعم النظام علناً، وتركيا تدعم النظام بشكل خفي، مثل تدخلها شمال سوريا وطلبها من الثوار الالتحاق بها ومقاتلة تنظيم الدولة، أي أنها تقوم بإخراج الألوية المقاتلة من ساحة الحرب في حلب وتدفع بها إلى مقاتلة تنظيم الدولة، وهي غير جادة في تلك المقاتلة، فالمهم هو إضعاف جبهات الثوار مع النظام، وهو ما تم فعلاً فعاد النظام وتمكن من إعادة فرض الحصار على حلب بسبب نقص المقاتلين.
ثم يذهب إلى تركيا ولي العهد السعودي لبحث نفس المسألة، أي كيف يمكن للبلدين التنسيق فيما بينهما للمحافظة على نفوذ أمريكا في سوريا، وهما كتركيا وإيران عبدان مأموران، ويتم كذلك بحث هذه المسألة تحت مسميات دعم درع الفرات، ومحاربة (الإرهاب)، والتباكي على مجازر روسيا في سوريا، وكلاهما على علاقة وطيدة مع روسيا، بل ومتزايدة القوة.
والذي لا يبصره كثيرون هو القوة الأمريكية المحركة لكل هذه الزيارات واللقاءات، ولولا طلب أمريكا من هؤلاء الأقزام لما حصلت أي من تلك اللقاءات. فالأمة في الجزيرة وتركيا وفي كل مكان ترى الحقيقة ماثلة، وهي عمالقة لا يملكون السلاح الكافي يقفون في حلب يحاربون الدول العظمى والإقليمية ومليشياتهم وكذلك نظام المجرم بشار، وأقزام الحكام الذين يملكون جيوشاً جرارة والطائرات والدبابات ولا يحركون ساكناً، وليس في جعبتهم لحماية المسلمين في سوريا إلا التباكي، وهذا التباكي هو مصور أمام وسائل الإعلام، وخلف الكاميرات يبحثون الحقائق الأمريكية، وهي كيف يمكن هزيمة الثورة في سوريا حتى لا تمتد يد الشعوب إلى كراسي هؤلاء الأقزام لأنهم مثل بشار يحافظون على النفوذ الأمريكي في بلادهم، وهذه حقيقة واقعية، وهي أقل ما يمكن أن يقال عن حكام لا يسارعون لنجدة المسلمين من المحرقة الأمريكية الروسية في حلب.
وثالثاً: محلياً في سوريا، ففي الوقت الذي يسطر فيه عمالقة الجهاد في حلب التاريخ، ويسيرون بالعالم نحو بناء دولة الإسلام ابتداءً من سوريا، ترى في سوريا أقزاماً من نوع آخر، وهم قادة الفصائل التي ما خرجت إلا لإسقاط النظام وما حملت السلاح إلا لدفع الظلم عن الناس في سوريا، ترى هؤلاء يهادنون النظام، وقد أعلن بنفسه 2016/9/19 انتهاء الهدنة، فترى منطلق الثورة في درعا صامتاً مثل الأنظمة العربية وتركيا، وكذلك في دوما في الغوطة الشرقية، ورغم حساسية الغوطة للنظام واستمراره في قصفها ليل نهار، إلا أن فصائل الهدن قد ارتضت لنفسها أن تقوم بدور تسكين الثورة، وهم يعلمون أو لا يعلمون أن النظام بسبب مهادنتهم يقوم بنقل ألويته من مختلف المدن المهادنة إلى محيط حلب لكسر شوكة الثوار فيها وإعادة احتلالها من جديد. وترى جماعات تسمي نفسها إسلامية تعلن موافقتها بالكامل على الدور التركي، ولم يطلب منها أحد أن تبدي رأيها، وترى متسلقي الثورة في الائتلاف وهيئة المفاوضات يقومون بالدور نفسه لتسكين الثورة، فتحت تبريرات وقف المحرقة يطالبون بوقف النار ومفاوضة النظام، أي كسر المحرمات التي خرجت الثورة من أجلها، وهي إسقاط النظام، فبدلاً من تجميع القوى لإزاحة النظام، وهذا كان ممكناً قبل التدخل الإيراني، وظل ممكناً بعده، وكذلك بعد التدخل الروسي، وكذلك الآن، فلو حاربت كل الفصائل وقد اشتد عودها، لما تمكن النظام وحلفاؤه من إعادة حصار حلب، والقيام بالمحرقة المتنقلة، فمن حرق درعا أول الثورة، إلى حرق حمص وسطها، واليوم حرق حلب.
والسؤال الكبير لماذا كل هذا التواطؤ المحلي من بعض الفصائل والمتسلقين من مفاوضي 5 نجوم؟ والجواب واحد، إنه المال السياسي القذر الذي حذرنا منه مراراً. فأمام المال هذا قد بيعت الثورة، وأمام الداعمين يتم الالتزام بالخطوط الحمراء التي ترسمها أمريكا وتعطيها للسعودية وتركيا لإملائها على متلقي المال القذر.
ولكن كل هذه القوى الدولية من أمريكا وروسيا ومعهم أوروبا المتواطئة، والقوى الإقليمية؛ إيران ومليشياتها، والدول المتآمرة؛ تركيا والسعودية، كل منهم ينفذ دوره الذي رسم حصراً في واشنطن، وكذلك الائتلاف وهيئة التفاوض وقادة بعض الفصائل المهادنة، كل هؤلاء لا يعلمون أن تلك القوى غير قادرة على هزيمة المخلصين الذين وحدوا اتجاههم لوجه الله، وحسموا أمرهم لبناء دولة الإسلام مهما كلف ذلك من تضحيات، وهذه القوى قد عجزت فعلاً خلال حوالي ست سنوات في إخضاع هؤلاء المخلصين المتسلحين بإيمانهم بالله العظيم، وقد لا يدركون أن أمر الله آتٍ لا محالة. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام البخاري