آثار دعم العلمانية للجمعيات المادية البعيدة عن الله
وباء من مشاكل الصحة العقلية لدى الأطفال
(مترجم)
الخبر:
ذكرت مقالة في “الغارديان” مطلع هذا الشهر أن أكثر من ربع مليون طفل في إنجلترا يتلقون الرعاية الصحية العقلية لمشاكل كالقلق، والاكتئاب، واضطرابات الأكل. ووفقا للمقالة، استنادًا إلى إحصائيات من الخدمات الصحية الوطنية ديجيتال، الذراع الإحصائية للخدمات الصحية في المملكة المتحدة، فإن عدد من يتلقون العلاج النفسي من الفتيان والفتيات كالتالي: 12000 ممن أعمارهم 5 سنوات أو أقل. أكثر من 53000 من الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 10 سنوات؛ أكثر من 100,000 بين عمر 11-15 سنة. و70,000 من الذين تتراوح أعمارهم 16-18 عاماً. وشملت البيانات 60٪ فقط من وثائق الصحة النفسية في البلاد. وبالتالي فإن الرقم الحقيقي للأطفال المتضررين من مشاكل الصحة العقلية في إنجلترا يقدر أن يكون أعلى من ذلك بكثير.
وذكرت المؤسسة الخيرية للأطفال “خط هاتف الأطفال” في المملكة المتحدة أن هناك زيادة كبيرة في المكالمات التي تلقتها من الأطفال المتضررين من مشاكل الصحة العقلية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك عدد قياسي من الذين يعانون من أفكار انتحارية. وقد استخدم هذا الخط ما يقارب 20,000 مرة من الصّغار في سنة 2016/2015 أرادوا إنهاء حياتهم – أي أكثر من ضعف العدد قبل 5 سنوات. وهذا لا يرقى إلى ما معدله أكثر من 50 جلسة مشورة ضد الانتحار يومياً في جميع أنحاء المملكة المتحدة، أو 1 في كل 30 دقيقة. وقالت الأستاذة ديم سو بيلي، رئيس تحالف الصحة النفسية للأطفال والناشئين والرئيس السابق للكلية الملكية البريطانية للأطباء النفسيين أنه ما لم تتخذ إجراءات عاجلة لمساعدة أطفال اليوم، فـ”نحن نتجه نحو تسونامي من الأطفال الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية التي ستستمر إلى مرحلة البلوغ.” وقالت بيلي أيضا إن 55٪ من مديري المدارس في البلاد يبلغون عن أعداد كبيرة من التلاميذ الذين يعانون من القلق والضيق وإن معدلات إيذاء النفس هي في ارتفاع من مدة 5 سنوات.
التعليق:
إن أسباب مشاكل الصحة العقلية لدى الأطفال، كما هو الحال مع البالغين، معقدةٌ ومتعددة العوامل، ويحتمل أن تشمل الحالات الكامنة من الأمراض الجسدية. ومع ذلك، فإنه لا يمكن إنكار أن الزيادة الفائقة ومدى الوباء لهذه المشاكل عند الأطفال في الدول العلمانية مثل المملكة المتحدة يرجع إلى مجموعة من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول، والناجمة عن تهميش العلمانية للدين في المجتمعات وفصل الحياة عن الدين.
فعلى سبيل المثال، تهيمن المادية على المجتمعات في الدول الرأسمالية العلمانية بحيث باتت القيمة والمكانة ترتبط بممتلكات وثروات الأفراد وليس بحسن الخلق والخير الذي يقدمونه لمجتمعاتهم. ونتيجة لذلك، فإن هؤلاء الشباب الذين لا يستطيعون المواكبة مالياً مع أحدث الموديلات في مجال الهواتف، والملابس، أو السلع الإلكترونية قد يشعرون بالنقص أو يعانون من السخرية، أو التخويف أو النبذ من قبل الأقران ما يمكن أن يحدث عواقب نفسية. وقد أوجدت هذه الهيمنة المادية والسعي وراء الكماليات أيضا فراغا روحيا في حياة الناس. وعلاوة على ذلك، فإن داخل المجتمعات حيث السيادة للبشر لا لله، ومعايير النجاح والتوقعات والأهداف التي من المفترض أن يتطلع إليها الأفراد وتحقيقها، هي من وضع عقول بشرية محدودة ومتقلبة وليست من السميع العليم الحكيم خالق الكون سبحانه وتعالى. بالتالي، فإن العديد من هذه التوقعات ومقاييس النجاح غير عقلانية، وغير واقعية، وظالمة، وعلاوة على ذلك، فإن الشباب يواجه ضغوطا هائلة بسبب سعيهم المستمر وراء إرضاء الآخرين في الحياة.
وقد تنسب العديد من المشاكل الصحية النفسية عند الأطفال على سبيل المثال إلى الضغوط الهائلة التي يواجهونها من قبل الوالدين للتفوق أكاديميا لأن تعريف النجاح يحدده الصفوف التعليمية والعلامات المحققة وكذلك المهنة التي يحصل عليها. والكثير من الذين لا يستطيعون تحقيق هذه التوقعات يشعرون بالفشل، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى أعراض اكتئابية وحتى محاولات الانتحار. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لـ”المقارنات الطبقية” التي ينشرها الأطفال على الفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الإلكتروني بين أنفسهم والآخرين قد يشكل لهم تأثيرا ضارا للغاية على احترام ذاتهم وثقتهم بأنفسهم.
وكمثال على ذلك، أصبحت الشعبية وتقدير الذات ترتبط بعدد الإعجابات، وعدد المنشورات، أو عدد متابعيهم على حسابات وسائل الإعلام الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مقارنة الأطفال حياتهم بما يسمى “حياة الصور المثالية” لزملائهم أو آخرين على الإنترنت التي هي تشويه الحقيقة والواقع، تجعل الطفل يشعر بأنه غير مؤات. هذا ينطبق بشكل خاص في ما يخص الفتيات الصغيرات اللواتي يقارنّ مظهرهنّ بصور الفتيات والنساء اللواتي يرينهنّ على وسائل التواصل والتلفزيون أو في المجلات، مما يجعلهنّ يشعرن بالقبح إن لم يستطعن الوصول إلى مقياس المعايير غير الواقعية في الجمال أو الموضة المقدمة لهن كعلامات النجاح. ووجدت أبحاث من قبل منظمة Girlguiding أن الفتيات في المملكة المتحدة يعانين من أزمة في الثقة بأجسادهنّ. وكانت 40٪ تتراوح أعمارهنّ بين 7 و21 عاماً غير راضيات عن أجسادهنّ. بينما قالت 15٪ منهنّ إنهنّ يشعرن بالحرج أو الخجل من هيئتهنّ. و40٪ تتراوح أعمارهنّ بين 7 و10 شعرن بأنهنّ لم يكن جميلات بما فيه الكفاية. كل هذا له تأثير ساحق على الرضا بالذات من الفتيات الصغيرات ويوقد اضطرابات الأكل.
وأخيرا، إن عقيدة العلمانية بفصلها الدين عن الحياة، أدت إلى تآكل مفهوم المساءلة إلى سلطة عليا في أفعال الشخص. لذا يلجأ الأفراد إلى أهوائهم الخاصة لإقرار ما هو الصواب وما هو الخطأ، والذين يعيشون من أجل اليوم وهذه الآونة، وعدم النظر إلى عواقب أعمالهم في الحياة الآخرة. وبالتالي يقوم العديد من الشباب الذين يحملون هذه العقلية بالتنمر على الآخرين حيث يشعرهم ذلك بالمتعة أو السلطة – وهي مسألة تشكل مشكلة كبيرة في العديد من الدول العلمانية. والحقيقة أن نصف حالات الانتحار لدى الأطفال في بريطانيا سببها التنمر، مثل الحالة المأساوية الأخيرة لأسد خان، الذي كان يبلغ من العمر 11 سنة والذي شنق نفسه بسبب التعرض للمضايقات في المدرسة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأفراد الذين يتبعون رغباتهم الأنانية والحريات الجنسية فوق المساءلة أمام الخالق هو ما أثار الاعتداء الجسدي والعاطفي والجنسي ضد الأطفال، فضلا عن انهيار الحياة الأسرية – والتي كان لها تأثير ضار بشكل كبير على الحالة النفسية للشباب وساهمت في الأزمة الناشئة من مشاكل الصحة العقلية لدى الأطفال.
وعلى النقيض من هذا كله، فإن الإسلام يضع الدين محورًا أساسيًا في حياة الأفراد والمجتمع. وبالتالي فإنه يعرف النجاح بأنه في كسب رضا الخالق بدلا من الحصول على ممتلكات أو مكانة سطحية في هذه الحياة، أو اكتساب الشعبية بين الناس. كما أنه يعرض توقعات واقعية من الله سبحانه وتعالى كهدف لما نطمح إليه، وهو تحرير الشباب من ضغوط إرضاء الآخرين أو المكافحة من أجل تحقيق التوقعات البشرية غير الواقعية والمتغيرة على الدوام. وأخيرا، فإن الإسلام يجعل المساءلة أمام الله تعالى، والحاجة إلى العيش وفقا لأحكامه، وضمن مفهوم العقاب أو الثواب في الآخرة على كل عمل نقوم به، كاعتقاد مركزي في ذهن المؤمن. هذه هي العقلية التي تصنع شخصية راقية تعامل الآخرين بلطف وعناية، وتقف ضد الظلم، وتبتعد عن أي عمل من شأنه أن يضطهد الآخرين، بالإضافة إلى الحفاظ على عفته ويستوفي جميع واجباته تجاه الله جل وعلا، بما في ذلك رعاية جميع الاحتياجات المادية والعاطفية للأبناء. كل هذا يحمي وحدة الأسرة، وحقوق ورفاهية الطفل، وينشئ حالة عقلية سليمة وبيئة آمنة وسعيدة للصغار.
﴿فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّڪُم مِّنِّى هُدً۬ى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِڪۡرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً۬ ضَنكً۬ا وَنَحۡشُرُهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير