الاستثمار الأجنبي أداة لإفلاس البلاد وإفقار العباد
الخبر:
تحتضن تونس أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016 مؤتمرا دوليا للاستثمار ويعتبره المسؤولون موعدا مهما لاستحقاقات البلاد وقد انتشر عدد من الوزراء في بلدان العالم للترويج لهذه التظاهرة ظنا منهم أن إنجاح المؤتمر سيساهم في تحقيق الانتقال الاقتصادي والمجتمعي المرجو.
التعليق:
تبلغ مساهمة الاستثمار الأجنبي حوالي 3,5 بالمائة من إجمالي الناتج المحليّ حسب إحصائيات رسمية نشرها البنك المركزي في سنة 2012، وترتكز الاستثمارات الأجنبية بالأساس على قطاع الطاقة الذي يستأثر بالقسط الأكبر بقيمة بلغت 886 مليون دينار سنة 2012، وقطاع الصناعات التحويلية 553 مليون دينار حسب المصدر نفسه. ويكشف التركيز على هذه القطاعات الريعية عن توجه الاستثمار الخارجي نحو تحقيق الربح السريع من خلال توظيف اليد العاملة الرخيصة والتمتع بالحوافز الجبائية المبالغ فيها.
ووفقا للتقرير السنوي حول الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، فقد اجتذبت تونس استثمارات أجنبية مباشرة تقدر بنحو 1964.7 مليون دينار سنة 2015 مقابل 1806.4 مليون دينار سنة 2014.
هذا وقد أقر البرلمان التونسي قانونا جديدا للاستثمار بهدف تشجيع الاستثمارات الأجنبية التي تراجعت بشكل حاد، وهي خطوة رئيسية ضمن حزمة إجراءات يطالب بها صندوق النقد الدولي.
ويتضمن القانون، الذي سيدخل حيز التنفيذ مع بداية العام المقبل، حوافز للمستثمرين الأجانب من بينها خفض الضرائب ومساهمة الدولة في إنجاز البنية التحتية للمشاريع الكبرى.
وقد اعتبر العديد من المحللين أن قانون الاستثمار يشجع المستثمرين الأجانب من خلال الاستفادة من التسهيلات الجبائية والتشريعات المتساهلة وانخفاض كلفة اليد العاملة، ومن ثم يتحوّلون بإنتاجهم وأرباحهم خارج البلاد، دون أن يساهموا بشكل فعلي في دعم الاقتصاد المحليّ، وهو ما يحول البلاد إلى مجرّد ورشة، إضافة إلى ضرب مقوّمات البلاد في الصناعة التي لا تمتلك قدرة تنافسية.
ومن جهة أخرى، يبيّن كبير الخبراء الاقتصاديّين يلماز أكيوز في دراسة نشرها مركز الجنوب أنه “خلافا لما يروّج، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر ليس مفتاح النمو السريع في البلدان النامية أو حلاّ لتطوير صناعاتها”. وينسّب هذا الأخير المقاربة الليبرالية مشدّدا “أنّ سياسة “دعه يعمل دعه يمرّ” لا تكون مفيدة. بل قد تكون أضرارها أكثر من منافعها”.
على المدى القصير، قد يكون أثر الاستثمار الأجنبي المباشر على ميزان المدفوعات إيجابيّا. لكنّ وبمرور الوقت تبدأ الارتدادات السلبيّة بالظهور. في الواقع، فإنّ السلع المنتجة والمصدّرة من قبل الشركات الأجنبية تستوجب واردات كبيرة. والأسوأ من ذلك، فإنّ الأرباح التي تجنيها هذه الشركات يتم تحويلها إلى الخارج، وهو ما ينعكس على المعاملات الاقتصادية الدولية للبلاد بشكل سلبي.
أما ردا على ما يشاع بأن الاستثمار الأجنبي المباشر يمثّل جسرا لنقل التكنولوجيا، فيوضح الخبير يلماز أكيوز أنّ “الشركات الأجنبية لا تستثمر في البلدان النامية لتعزيز قدراتها التكنولوجيّة، ولكن لاستغلال مزاياها التنافسية مثل الموارد الطبيعية واليد العاملة وخدمات البنية التحتية الرخيصة. وتتلكأ هذه الشركات في تبادل التكنولوجيا والخبرات مع البلدان المضيفة، لأن هذه المعرفة تعطيها ميزة تنافسية”.
ولكن رغم ذلك فإن حكومة الشاهد تراهن على الدفع نحو فتح الأبواب للاستثمار الأجنبي بلا قيود من أجل إنعاش الاقتصاد في حين إن واقع الحال يؤكد أن الاستثمار الأجنبي أداة لإفلاس البلاد وإفقار العباد.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسامة الماجري – تونس