إلى متى تطول قائمة “شهداء لقمة العيش”؟!
الخبر:
“قبل أيام توفى الله أربعة أشخاص، في حادث سير مروع وقع في الخليل في فلسطين وذلك أثناء توجههم للعمل داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948”.
التعليق:
هذا خبر عادي في خضم ما نعيشه من أحداث في مختلف أنحاء البلاد الإسلامية والعربية، وحادثة من ضمن الحوادث اليومية التي تحصل في أماكن عدة يموت فيها أناس من مختلف الأعمار… ونعلم أن الأجل بيد الله وحده لكن غياب الدولة الراعية والقانون العادل، وحتى غياب تنفيذ ما يسمى بالقانون الموضوع، والاستهتار وعدم وجود ضوابط وعقوبات رادعة وبعض العادات العشائرية التي كثيرا ما تضيِّع الحق وتقف مع الظالم ضد المظلوم يجعل آثار تلك الحوادث أكثر إيلاما.
ولو نظرنا إلى ضحايا هذا الحادث مثلا كنموذج لغيره لوجدنا أن أحد هؤلاء كان أستاذ مدرسة وكان يعمل سائقا على سيارته بالأجرة يأخذ بها العمال إلى المعبر القريب قبل موعد عمله وذلك لزيادة دخله القليل والذي لا يكفيه وسط غول الأسعار والأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعصف بكل مكان في فلسطين وغيرها.. أي أنه يعمل عملا إضافيا في الصباح الباكر وقبل توجهه إلى مدرسته وطلابه وأوراقه وأقلامه…
فما الذي يجعل مثله يقوم بهذا العمل يوميا وقبل طلوع الفجر؟! ما الذي يجعل مثله يلجأ إلى تلك الوسيلة في الحصول على دريهمات تساعده في زيادة دخله؟! هي معادلة بسيطة تشير إلى أن ما يأخذه من راتب شهري، وهو الذي يقوم بأشرف مهنة وهي التعليم، لا يكفيه وأسرته الصغيرة… وقيسوا عليه أمثلة كثيرة ونماذج عديدة من الموظفين خاصة المعلمين الذين يضطرون لامتهان مهن بعيدة كل البعد عن مجال دراستهم أو عملهم الأصلي الذي يجب أن يكرسوا له وقتهم وجهدهم وتركيزهم لأنهم يصنعون أجيالا! أم أن هذا مقصود لتدمير تلك الأجيال؟!
ولو عدنا إلى بقية الضحايا لوجدناهم عمالا ذاهبين للعمل داخل فلسطين المحتلة عام 1948، أو ما يسمى بالخط الأخضر… منهم من يحصل على ما يسمى بتصاريح الدخول لتلك الأراضي ومنهم من يدخل بدون تلك التصاريح مخاطرا بنفسه في سبيل الحصول على لقمة العيش التي لا يجدها في ظل انتشار البطالة وغلاء الأسعار والظروف التعيسة… فهم إما أذلاء مُمتَهنو الكرامة على معابر الاحتلال البغيض الذي يتحكم في تلك المعابر ويتلذذ بإهانة من يعبرها من هؤلاء العمال، أو هاربون ملاحقون في طرق فرعية وجبال يعبرونها للوصول إلى أماكن عملهم، ناهيكم عن الاستغلال البشع لهم في تلك الأماكن وعدم وجود قواعد السلامة والأمان فلا يمر شهر إلا ويقتل أحدهم أو يصاب بجروح جراء حوادث عمل ويدخلون ارقاما جديدة فيما يسمى بـ”شهداء لقمة العيش”.. ولا راعي لهم ولا مُطالب بحقوق أو قواعد للسلامة والأمان لهم.
ستبقى تلك الحوادث تتكرر ويبقى الوضع الاقتصادي المزري يدفع بالموظفين إلى امتهان أعمال لا تليق بهم، وإلى استغلال أرباب العمل سواء داخل ما يسمى بالسلطة الفلسطينية أو الأراضي المحتلة ما دام لا يوجد الراعي الذي يحفظ الحقوق ويؤمن الاحتياجات الأساسية لهم ولأسرهم. ستبقى ما دامت البطالة مستشرية وجيوش العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات وغيرهم لا يجدون قوت يومهم… ستبقى ما دام “رب البيت بالدف ضاربا” في الظلم والاستغلال والسرقة ونهب المال العام… سيبقى ما دامت أنظمة مستغلة مستبدة ظالمة عميلة تتحكم بأمور البلاد والعباد… ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مسلمة الشامي ( أم صهيب)