تمرد الشعب الأمريكي على مبدئهم وميلادٌ جديدٌ حان أوانه
الخبر:
تظاهر آلاف الأمريكيين احتجاجًا على فوز (دونالد ترامب) المفاجئ برئاسة بلادهم في سبع مدن أمريكية، منددين بتصريحاته “العنصرية” أثناء حملته بشأن المهاجرين والمسلمين وجماعات أخرى، وسط أنباء عن إطلاق رصاص وسقوط عدة ضحايا في محيط احتجاجات شهدتها مدينة (سياتل)، وجاء في منشورات على مواقع التواصل الإلكتروني أن مسيرات مناهضة لترامب مقررة أيضًا في وقت لاحق بمدن أخرى في أنحاء البلاد.
التعليق:
تناقلت كثير من وسائل الإعلام خبر فوز مرشح الحزب الجمهوري في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والغريب كان إجماع هذه الوسائل على عدم فرضية نجاحه، واستبعاد ذلك من الاحتمالات. وعلى هذا فإن هناك ملاحظات يجب أن ننوه إليها في هذا التعليق؛ أولها: إن معظم أو جميع الوسائل الإعلامية الموجودة في الشرق أو الغرب لا تمت بصلة للجماهير الذين تعرض عليهم برامجها، فهي شركات استثمارية تمثل أصحاب رؤوس المال، لهذا لا تنطق إلا بما يُملى عليها من قبلهم، هذه حقيقتها لا تمثل الجمهور أو الشعب، وتبذل كل ما في وسعها لتوجيه الدفة أو الرأي العام للجهة التي يرغب بها الممول أيًّا كان.
ثانيها: إن الرأي العام عند الناس في الشارع لم يستطع أحد قياسه بمقياس صحيح، لذلك كانت ردة فعل الناس مغايرة للنتيجة التي توقعوها والتي أفرزتها الصناديق الانتخابية، وهذا كان مخالفاً لما كانت عليه نتائج الاستطلاع العام قبل الانتخابات من قبل المؤسسات الإعلامية وغيرها.
ثالثا: إن المجتمع في أمريكا على الرغم من انحطاطة الفكري العام أمسى يدرك الفساد والفاسدين، ويدرك أنه كان أمام خيارين وحيدين وُضعا أمامه على الطاولة، إما جمهوري صاحب فكر متعجرف وشهية غير محدودة للكسب والقضاء على الآخر، وإما مرشحة عن الحزب الديمقراطي صاحب السياسة الناعمة في تحقيق الأهداف ذاتها، فالكل يعلم أن كليهما وجهان لعملة واحدة قد انتهت صلاحيتها، ولم يعد الشعب الأمريكي يرغب في بقاء الحال على ما هو عليه، بل يريدون التغيير.
رابعا: هناك حالة تعم العالم كله ولا تقف عند حدود معينة، وهي التمرد والعصيان وطلب التغيير. وهذا ما قد وصل إلى الولايات المتحدة، وما هذه المظاهرات إلا نوع من التمرد على المبدأ والواقع الحالي، وتقليد للآخرين في أسلوب التعبير وهو الخروج إلى الشوارع والميادين.
من المستغرب أن هذه الجموع الكثيرة التي خرجت في شوارع ومدن كثيرة منادية (لا نريد هذا الرئيس)، ولم تنادِ بأنها تريد الرئيسة تلك وأنها تمثلهم، هذا الأمر إن دل على شيء إنما يدل على أن المجتمع في أمريكا منقسم وعنده ازدواجية في النظرة إلى الواقع والأحداث. فهناك من ينادي به كرئيس وآخرون ينادون بهيلاري كرئيسة ومجموعة أخرى لا يستهان بها تنادي بالتغيير الجذري على النظام من غير عرض البديل.
إن الانتخابات الأمريكية أبانت عن عدد لا يُستهان به من أصحاب الرئيس المتشدد المتزمت، الذين لا يريدون أن يبقى الحال على ما هو عليه، ولا توجد عندهم رؤية واضحة ولا يعرفون سوى التعامل مع المشاكل وليس حلها من جذورها، عدد يتغذون على الشعور بأنهم أفضل من الجميع يستحقون الحياة وغيرهم لا يستحقونها وعليهم تقديم الطاعة والقرابين لهم ليتقوا ضررهم. أما الجزء الآخر من الصورة فهم أيضًا لا يُستهان بعددهم، هم من مجموع المهاجرين الذين خرجوا في الشوارع منددين، هؤلاء يعون ما قد يحدث لهم، وهم لا يثقون بمن سيتولى الحكم، فقد تعلموا دروسًا من الحكام السابقين، فهم يتذكرون كيف كان الحال في فترة جورج بوش الابن وكيف تعامل مع الجيل الثاني من المهاجرين، ولا يزال أثر أفعال الحزب الجمهوري ورجالاته موجوداً، وما زاد الطين بلة هو سيطرة الحزب على مركز القرار من الرئاسة ومجلس الشيوخ ومجلس ممثلي الولايات، فيكون تمرد هؤلاء بداية تمردًا على النظام الذي سار عليه الشعب الأمريكي أكثر من 200 عام، أي هم يطالبون بالتغيير لكن بأسلوبهم الخاص.
في النهاية هناك حقائق نعلمها ويعلمها الجميع، ولم يبقَ من يجهلها في هذا الزمان، ومن ينكرها إما يكون متعاميًا عن الحقائق لا يرى إلا ما يريد، وإما منفصلًا عن الواقع لا يعي ما يحدث حوله، وهي: إن الحكام الأمريكيين سواء أكانوا من الجمهوريين أم الديمقراطيين فإنهم يتبنون المبدأ نفسه، لكن الفرق هو اختلاف أسلوب تطبيق المبدأ الجشع المتعجرف، وإن الحكام الموجودين في أمريكا متعاهدون على عدم التقصير في محاربة من ينادي بالتحرر من هيمنتهم وسطوتهم في الداخل والخارج، وإن وعي الشعوب سبق الحكام بكثير وتخطى حدودهم، وهذا غير محصور في شعب أو قارة أو أمة، بل في الأرض كلها، وإن الحكام قد أفلسوا من الإجراءات والحلول التي تبقيهم على قيد الحياة وتحقق لشعوبهم المتطلبات الأساسية والكمالية.
وعليه يكون الحال الذي وصل إليه العالم هو أفضل حال لحكم نظام ناصع يقلب الوضع كله ويحمي الإنسان القريب والبعيد، نظام يقنع عقول البشر ويشبع حاجاتهم بعدل وإنصاف ويؤمّن لهم حياة كريمة لا مهانة فيها ولا ذل، هو نظام رباني جاء من عند الله من أجل إسعاد البشر، إنه الإسلام ولا شك، فميلاد هذا النظام في دولة من جديد هو ما سوف تنادي به الشعوب في القريب العاجل، وهو ما سيتحقق قريبًا عندما يشاء الله عز وجل.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا