بعد إعلان “ترامب” رئيسا لأمريكا
الديمقراطية بدون مساحيق
الخبر:
س أن أن، وكالات الأنباء – تظاهر مساء الأربعاء الآلاف في مدن أمريكية عدة احتجاجا على فوز “دونالد ترامب” بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وجرح خمسة أشخاص برصاص مسلح قرب أحد مواقع الاحتجاجات وسط مدينة “سياتل”.
التعليق:
أصاب إعلان فوز المرشح “دونالد ترامب” بمنصب الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية العالم بصدمة غير متوقعة. ولئن اتسمت معظم التصريحات الرسمية للسياسيين بالترحيب الحذر لاعتبارات دبلوماسية، فإن أغلب المحللين والمهتمين بالشأن السياسي الدولي يدركون أن لهذه النتيجة تداعيات كبيرة على السياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الدولية.
فقد كشف فوز “ترامب” في انتخابات أمريكا عن الوجه الحقيقي للديمقراطية الغربية، وأزال عنها كل المساحيق التي كان السياسيون والإعلاميون يجتهدون في وضعها لإخفاء قبحها وبشاعتها، فالعدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان… كلها أفكار للاستهلاك الإعلامي والدجل السياسي، أما حقيقة المفاهيم الديمقراطية التي تشكل عقليّة “ترامب” وبرامجه التي نال بها ترشيح الحزب الجمهوري وفاز بها في الانتخابات، فهي مفاهيم السيطرة المطلقة لأمريكا على دول العالم واحتقار من سواها ولو كانوا جيرانهم مثل المكسيك، ومفاهيم العداوة ضد للإسلام والمسلمين والدعوة إلى منعهم من دخول أمريكا، ومفاهيم النفعية المادية الرأسمالية البعيدة عن أية قيمة إنسانية أو أخلاقية، تلك التي تجلت في الدعوة إلى تقليص الخدمات الصحية للفقراء، ومعارضة تخفيض أسعار الأدوية، والسماح بالتعذيب في التحقيق، والتعامل مع المرأة تعاملا غريزيا صرفا يثير الاشمئزاز.
إن النخبة السياسية الحاكمة في أمريكا التي جاءت بـ”جورج بوش” الابن المعروف بقربه من المحافظين الجدد ليشن الحرب على المسلمين، هي نفسها التي جاءت بـ”أوباما” ذي الأصول الأفريقية لتعديل السياسة الأمريكية وإخراجها من ورطتها وتحسين صورتها، وهي نفسها التي أتت هذه المرة بـ”ترامب” المعروف بأفكاره العنصرية، ليواصل الحرب على المسلمين ويمعن في احتقارهم، وليبدأ إجراءات اقتصادية حمائية لا تراعي سوى مصلحة الاقتصاد الأمريكي، حتى لو أدى ذلك إلى مراجعة وتعطيل اتفاقيات التبادل التجاري الحر السابقة، وهو ما أثار حفيظة العديد من الدول الرأسمالية الأخرى.
ولئن تحدث السياسيون في الشأن الداخلي الأمريكي عن أهمية الطبقة الوسطى المهمّشة من البيض ذوي الأصول الأمريكية الذين تمكّن “ترامب” من استثارة مشاعرهم العنصرية وكرههم للأجانب وكسب تأييدهم للفوز في هذه الانتخابات، فإن ما سيدركه العالم على المستوى الدولي أن الأمة الإسلامية التي يجتهد حكام أمريكا وأوروبا في السيطرة عليها واستغلال ثرواتها، والتي لا زالت مهمّشة منذ سقوط الخلافة في عشرينات القرن الماضي، تنتظر في هذه الفترة الفرصة المناسبة لاسترداد سلطانها المغتصب وإقامة كيانها السياسي والحضاري الإسلامي، ولن تزيد تصريحات “ترامب” العنصرية والعدائية إلا في استثارة مشاعرها ووعيها بحقيقة الديمقراطية ووعودها الزائفة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد مقيديش
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس