Take a fresh look at your lifestyle.

فوكوياما يصف انتخاب ترامب بنقطة تحول مفصلية

فوكوياما يصف انتخاب ترامب بنقطة تحول مفصلية

 

 

 

الخبر:

 

في مقال نشرته صحيفة (ذي فاينانشال تايمز) اعتبر المفكر الأمريكي المشهور فرانسيس فوكوياما بأنّ: “فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية يشكل نقطة تحول مفصلية، ليس فقط بالنسبة للسياسة الأمريكية بل وللنظام العالمي بأسره”.

 

وتابع القول بأنّ: “رئاسة ترامب للولايات المتحدة الأمريكية تدشن عصرا جديدا من القومية الشعبوية، يتعرض فيها النظام الليبرالي الذي أخذ في التشكل منذ خمسينات القرن العشرين للهجوم من قبل الأغلبيات الديمقراطية الغاضبة والمفعمة بالطاقة والحيوية”، وحذر فوكوياما من: “خطورة الانزلاق نحو عالم من القوميات المتنافسة والغاضبة في نفس الوقت”، واعتبر أنّه: “إذا ما حدث ذلك فإننا بصدد لحظة تاريخية حاسمة مثل لحظة سقوط جدار برلين في عام 1989″، وأضاف أن: “وعود ترامب بأن يعيد لأمريكا مكانتها، جعل العمال المنضوين في النقابات المهنية، والذين كانوا قد تلقوا ضربة موجعة بسبب تراجع المشاريع الصناعية يصوتون له، مشبها ذلك بما حدث عند التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.

 

وأضاف فوكوياما: “أن تضرر الطبقات العاملة من أنظمة صممتها النخبة، مثل الأسواق المالية المحررة في حالة الولايات المتحدة الأمريكية، والسياسات الأوروبية مثل اليورو ونظام الشينغين الخاص بالهجرة الداخلية في حالة أوروبا، دفع إلى بروز الشعبوية في 2016”.

 

وحذّر فوكوياما من مواقف ترامب القومية المتعلقة بالنظام الاقتصادي والسياسي العالمي، وأنه سيسعى لإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية الحالية مثل النافتا وربما أيضاً منظمة التجارة العالمية.

 

 وقال فوكوياما في إطار تحذيره من مواقف ترامب: “كان نظام التجارة والاستثمار المفتوح يعتمد في بقائه واستمراره تقليدياً على قوة الولايات المتحدة الأمريكية وعلى نفوذها المهيمن، ولكن إذا ما بدأت الولايات المتحدة بالتصرف بشكل أحادي لتغيير شروط الاتفاقيات المبرمة بينها وبين الدول الأخرى فلن يتورع كثير من اللاعبين الأقوياء حول العالم عن الانتقام مما سيشعل شرارة انهيار اقتصادي شبيه بذلك الذي وقع في ثلاثينات القرن العشرين”، واعتبر أن فترة رئاسة ترامب: “ستؤذن بانتهاء العهد الذي كانت فيه الولايات المتحدة تشكل رمزا للديمقراطية نفسها في أعين الشعوب التي ترزح تحت حكم الأنظمة السلطوية في مختلف أرجاء العالم”.

 

وفسر تصويت الأمريكيين على دونالد ترامب بحدوث انتقال من خندق إلى آخر، من معسكر الليبرالية العالمية إلى معسكر القومية الشعبوية، بقوله: “لم يكن مصادفة أن حاز ترامب على دعم قوي من قبل زعيم حزب الاستقلال البريطاني نايجيل فاراج، ولم يكن مستغربا إذ ذاك أن يكون أول من اتصل به مهنئا له بفوزه في الانتخابات زعيمة الجبهة القومية في فرنسا ماري لو بان”، وخلص فوكوياما إلى القول: “أنّ التحدي الأكبر الذي يواجه الديمقراطية الليبرالية اليوم ينبع من الداخل في الغرب، في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا وفي أوروبا وفي عدد آخر من البلدان، وليس من القوى السلطوية السافرة مثل الصين”.

 

التعليق:

 

إنّ استشعار مفكر وفيلسوف أمريكي كبير مثل فرانسيس فوكوياما خطورة نجاح ترامب في الانتخابات، واعتبار وصوله إلى سدة الحكم بأنّه يُشكّل نقطة تحول مفصلية في أمريكا والعالم، لا شك أنّ له دلالة خطيرة على مستقبل الوضع الدولي.

 

فهو يرى أنّ عهد ترامب ربما سيؤدي إلى انتهاء زمن النظام الليبرالي الحالي، وانقضاء عصر العولمة الذي ساد العقدين الأخيرين، ومن ثمّ العودة إلى السياسات الرأسمالية القومية الضيقة، والتي أصبح يُطلق عليها حديثاً مصطلح (الشعبوية)، وهو ما يعني تقويض أسس النظام العالمي الذي تمّ تدشينه بين القوى العالمية العظمى بقيادة أمريكا منذ تسعينات القرن الماضي.

 

فرفع ترامب لشعار (أمريكا أولاً)، وتركيزه على اعتبار العلاقات الدولية بما فيها العلاقات العسكرية مسألة اقتصادية تخضع للربح والخسارة، يعني أنّ القوى الرأسمالية الأمريكية هي التي دفعت بترامب لطرح هذه الأفكار الجديدة، ويعني أنّ شريحة كبار رجال الأعمال في أمريكا هي التي توصلت إلى فكرة أنّ مصالح أمريكا في الخارج باتت تتضرر من المنظومة العالمية الحالية، وأنّ انكفاء أمريكا إلى الداخل أمرٌ لا بُدّ منه من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكي على أسس جديدة.

 

وقد عبّر ترامب في حملاته الانتخابية بوضوح عن تلك الأهداف مراراً وتكراراً، وأكّد على أنّ أمريكا لا تُريد أنْ تبقى تتحمّل أكبر النفقات في علاقاتها مع دول العالم الأخرى، سواء من خلال الاتفاقيات الدولية أو من خلال الأحلاف العسكرية، وأنّه قد حان الأوان لتغريم الآخرين جزءاً من النفقات الهائلة التي تتولاها أمريكا، وأنّها من الآن فصاعداً سوف تُطالب بأثمان لقاء تقديمها لخدمات الحماية لدول الخليج أو لدول حلف الناتو، وأنّها ستعيد النظر في اتفاقيات النافتا وغيرها من الاتفاقيات تحمّلها أكبر الأحمال بينما يستفيد منها الدول الأخرى من دون مُشاركتها فيها.

 

إنّ أطروحات ترامب هذه لا شك أنّه يقف وراءها تيار جديد في الحزب الجمهوري، وتدعمه قوى اقتصادية فاعلة ونافذة في أمريكا، فالموضوع يبدو أنّه أكبر بكثير من شخص ترامب وممّن حوله، فهو يتولاه تكتل رأسمالي أمريكي قومي جديد وليس ترامب بأكثر من ناطق باسمه.

 

وإنّ خشية فوكوياما التي أبداها في كتاباته هذه من التحوّل في توجهات القوى الرأسمالية عن الليبرالية والعولمة مردها إلى كونه كان المُنظّر الرئيسي لها، فهو صاحب كتاب نهاية التاريخ، والذي زعم فيه أنّ الرأسمالية بحلتها الليبرالية هي أفضل تطور يمكن أن تنتهي إليه، ووجود أفكار جديدة يدعو لها ترامب تتناقض مع نظريته بشكل كامل، وهو ما يعني فشل فكرته، ونسف رؤيته، لذلك نجده يُحذّر من نجاح ترامب في تغيير البناء الدولي، وتبديل المنظومة التجارية العالمية، والتي كانت حصيلة جهود جبارة لأمريكا والقوى الكبرى طوال السنوات الماضية وفقاً لأفكاره.

 

فالعالم يبدو أنّه مُقبل على تغيرات سياسية واقتصادية كبرى مع تولي ترامب للرئاسة، وهذه التغيرات قد تُمهّد لتغيير العلاقات الدولية بشكلٍ جوهري، وقد تُمهّد بالتالي لبروز قوة عالمية جديدة، ستعمل على وضع حد لتمادي الرأسمالية العالمية المُتوحشة بقيادة أمريكا في استغلال الدول التابعة، وفي سرقة موارد الشعوب الضعيفة، وفي التطاحن فيما بينها على نهب مُقدرات البشرية لخدمة حفنة من أصحاب الثروات الطائلة على حساب غالبية سكان المعمورة، ولا نخال هذه القوة العالمية الجديدة القادمة سوى دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة إن شاء الله.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أحمد الخطواني

2016_11_14_TLK_4_OK.pdf