الأمريكيون الأصليون لا يكترثون بمن سيفوز في الانتخابات الأمريكية!
(مترجم)
الخبر:
ذكرت واشنطن تايمز يوم السبت 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أن “شرطة تطبيق القانون قد ألقت القبض يوم الجمعة على 33 محتجاً ضد بناء خط أنابيب داكوتا بعد قيامهم بتمزيق إطارات السيارات وتدمير موقع البناء وإغلاق طرق المدينة ومهاجمة ضابط باستخدام عمود بالقرب من مندان، بولاية نورث داكوتا الأمريكية. هذه الاشتباكات قد أوصلت العدد إلى ما يقرب من الـ500 ناشط والذين تم اعتقالهم من قبل سلطات تطبيق القانون المحلية منذ حوالي عام 2000 الذين بدأوا احتلال الأراضي الاتحادية المجاورة في محاولة لوقف بناء خط الأنابيب”.
التعليق:
في حين يركز العالم على الاحتجاجات العنيفة ضد صدمة فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في الأسبوع الماضي، فإن هناك فئة أخرى في أمريكا تحتج أيضاً. إنهم المحتجون من الأمريكيين المنسيين، إنهم “الأمريكيون الأصليون” الهنود الحمر، وهم الناجون من الحروب الاستعمارية التي جردتهم من أراضيهم الأصلية ودفعت الكثير منهم للعيش في محميات صغيرة. إن الولايات المتحدة موطن لمليون من الهنود الحمر حالياً وعدة آلاف من قبيلة ستاندنج روك سيوكس المحتجين ضد خط الأنابيب المقترح بتكلفة 3.8 مليون دولار، حيث يقولون إنه يهدد المقابر والأماكن المقدسة، كما ويهدد نهر ميسوري الذي هو مصدر المياه الرئيسي لهم. في يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر تم إلقاء القبض على 141 متظاهراً من قبيلة ستاندنج روك سيوكس خلال التظاهرة الكبيرة في نورث داكوتا ضد خط الأنابيب الجديد، وفي يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر اعتقلت الشرطة 33 محتجاً إضافياً.
وفقاً لصحيفة الغارديان، بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر، “دونالد ترامب هو مستثمر في شركة شركاء نقل الطاقة وهي الشركة التي تقف خلف بناء خط أنابيب داكوتا والمدير التنفيذي لشركاء نقل الطاقة كيلسي وارن قد أعاد الخدمة، متبرعاً بـ103 آلاف دولار لحملته”. أما بالنسبة للأمريكيين الأصليين، فإن الغارديان قد قابلت عدداً من المشاركين في الاحتجاجات والذين يعقدون آمالاً ضئيلة سواء على ترامب أو كلينتون. قال جاي دولنايف وهو أحد كبار السن في اوجلالا من كايل في نورث داكوتا: “إن ترامب لا يحب الهنود فعلاً”، ولكن “إذا فازت (كلينتون) فالأمر نفسه”. وقال هو-ويست واكيا وهو عضو ملتحق بالساحل الجنوبي من السكان الأصليين (التشوماس): “إن كل الأمر يتعلق بالمال، أنا خجل من كليهما”. ولم يصوت فرانك آركامبولت وهو من قبيلة ستاندنج روك سيوكس، وقد سافر في منتصف تموز/أيلول مع عائلته من منطقة لمنطقة في نورث داكوتا من أجل الوقوف في وجه الحكومة الاتحادية وشركات النفط: “أنا لا أريد أن يكون لهم رأي في الحكومة”، وقال: “أعتقد أنه يمكن تسميتها صدمة، ليس لدي ثقة في الحكومة، لذلك لا أريد أن يكون لهم رأي”. لم يكن أبداً لدى الهنود الحمر الكثير من الأصوات في مواجهة الجشع الرأسمالي.
إن خط الأنابيب جديد، ولكن شكاوى قبائل السيوكس ضد الاستغلال الاستعماري الأمريكي في منطقة البلاك هيلز القريبة من نورث داكوتا حيث يتم توجيه خط الأنابيب الجديد هي شكاوى معقدة ومؤلمة. كانت السيوكس في الماضي هي الأمة العريقة التي عاشت إلى حد ما في سلسلة جبال بلاك هيلز، والتي تمتد على مساحات شاسعة منذ ما قبل إعلان استقلال الولايات المتحدة. وبالرغم من هذا، فقد كان المستوطنون الأوروبيون يطمعون في هذه المناطق باعتبارها مصدراً غنياً للأخشاب وفراء الحيوانات والتي انضمت للولايات المتحدة بعد حصولها على الاستقلال من بريطانيا. وعلى الرغم من جشعهم بالنسبة لموارد بلاك هيلز، كان المستوطنون يخافون من هنود سيوكس وكانت تضاريسها وحقولها صعبة عليهم لاجتيازها. ومع ذلك وتحت ضغط من المستوطنين الاستعماريين فقد وافقت السيوكس على معاهدة فورت لارامي (1851م)، الأمر الذي أدى إلى بعض التنازلات مقابل الاعتراف الأمريكي بحق الهنود بأراضي الجبال السوداء وبمقدار 50 ألف دولار سنوياً كتعويض عن الـ50 عاماً. انتهكت حكومة الولايات المتحدة المعاهدة في عام 1852 عن طريق الحد من فترة التعويض من 50 عاماً إلى 10 سنوات فقط. وفي عام 1866م كانت هناك حرب، وفاز فيها السيوكس والتي أدت لمعاهدة أخرى، ولكن في عام 1876، حدثت حرب أخرى بعد مزيد من الغارات على أراضي السيوكس سببها أخبار بأن هناك ودائع من الذهب في تلك المنطقة. وخسرت حكومة الولايات المتحدة هذه الحرب أيضاً، إلا أنه في السنة التي تلتها استخدمت الحكومة سياسة قاسية من التجويع لإجبار هنود السيوكس على التخلي عن كل حقوق ملكية الأراضي من أجل تجنب الإبادة الجماعية.
بعد 100 عام، فقد تم الإعلان عن مصادرة بلاك هيلز أخيراً بصورة غير قانونية من قبل محاكم الولايات المتحدة، وتحقيقات الأمم المتحدة في عام 2012. وعرضت تعويضات كبيرة، ولكن ليست الأراضي، ومع ذلك، فإن أبناء القبائل المتبقية والذين يعيشون في محميات صغيرة داخل أراضيهم السابقة، قد رفضوا حتى الآن جميع عروض التعويضات المالية، بالرغم من كونهم أفقر التجمعات المحلية في الولايات المتحدة. ولكنهم استمروا في النضال من أجل أراضيهم وحقوقهم بكرامة ضد الرأسمالية الجشعة وضد الانتخابات الكاذبة والتي تترك الناس يتشاحنون على لقمة العيش بينما تترك إدارة ثروات الأمة لصالح حفنة من الأثرياء.
كثير من الذين صوتوا لصالح ترامب، فعلوا ذلك لأنهم يريدون من “رجل أعمال” أن يقود الولايات المتحدة، بدلاً من السياسيين الكاذبين. لقد كان ترامب صادقاً بما يكفي بعدم حفظ الأسرار حتى فيما يتعلق بكذبه هو نفسه! خلال 1990، كان دونالد ترامب يقاتل القبائل الأمريكية الأصلية الذين كانوا يهددون سيطرته على ألعاب القمار في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، بعيداً عن أراضي ستاندنج روك سيوكس. ذكرت صحيفة واشنطن بوست في 25 تموز/يوليو أنه “عندما بدأ ترامب بالاشتباك مع القبائل الأمريكية الأصلية، كانت ثروته من ألعاب القمار ضخمة. لقد استفاد من احتكار أتلانتيك سيتي للقمار على الساحل الشرقي حتى حصل تغيير في القانون الاتحادي عام 1988، حيث فتحت الأبواب أمام مزيد من الكازينوهات القبلية… ورداً على ذلك، قام ترامب بجهود كبيرة للضغط ضد القمارات الهندية… وقام بالسر بدفع أكثر من مليون دولار للإعلانات التي صورت أفراد قبيلة في ولاية نيويورك على أنهم تجار مخدرات ومجرمون محترفون”.
والآن وقد فاز ترامب برئاسة أمريكا، فإن أنصار المرشحة الخاسرة يحتجون في الشوارع، ولكنهم لا يرون حقيقة أن كلينتون وترامب لا يختلفون في الواقع بالمعنى، لأنهما يمثلان طرفي الشراكة الرأسمالية بين الأموال والسياسة اللتين تختفيان وراء انتخابات لامعة كل 4 سنوات. ترامب هو الملياردير وكلينتون هي السياسية المهنية واللذين لا يمكن أن يوجد أحدهما بمعزل عن الآخر. في الواقع، لقد كانوا أصدقاء حقاً، كما في الصور التي تظهرهما مبتسمين معاً. والفرق الوحيد هو أن السياسي الرأسمالي هو أفضل وأكثر حنكة بالكذب. إن القصة الحقيقية للاحتجاجات الأمريكية في الولايات المتحدة ليست من المحتجين المناهضين لترامب، بل من الهنود المنسيين في التلال الباردة القاسية في ولاية داكوتا الشمالية، الذين لا يكترثون بمن سيصبح الرئيس، لأنهم يعرفون أنه لا فرق.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور عبد الله روبين