الاقتصاد النامي دون الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)
(مترجم)
الخبر:
أسفرت زيارة نجيب للصين مؤخراً، والتي استغرقت 6 أيام عن توقيع 14 مذكرة تفاهم من أجل التعاون الاقتصادي بقيمة 143.64 مليار رنجيت. وقد سُرّت عدة أحزاب لهذه الأنباء معتقدة أن هذا الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين سيوفر فوائد اقتصادية مختلفة لأهل ماليزيا. إلا أن هنالك أطرافاً أخرى لم تسر بهذه الأنباء وادعت أن نجيب كان يحاول بيع ماليزيا للصين. لهذا السبب، دافعت الحكومة مراراً وتكراراً عن أعماله بالقول بأن فوائد الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين تفوق مضاره. وفي السياق نفسه، فقد تم منح شركة سنغافورية/الصين، (CNMC) مؤخراً امتياز استخراج الذهب من ولاية كيلانتان – وهو شكل آخر من أشكال الاستثمار الأجنبي المباشر حيث يتم السماح لشركة أجنبية باستخراج وتملك الذهب المستخرج، والذي هو في الأصل من الممتلكات العامة. في الغالب مثل هذه الاستثمارات الأجنبية المباشرة يتم تبريرها بعدم وجود صناديق استثمار أو بعدم توافر القدرة التكنولوجية.
التعليق:
يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر عنصراً اقتصادياً رئيسياً في عصر العولمة الحالي. ويعرف الاستثمار الأجنبي المباشر بأنه استثمار يشمل علاقة طويلة المدى ويعكس اهتماماً دائماً وسيطرة من كيان مقيم في اقتصاد ما (المستثمر الأجنبي المباشر أو المؤسسة الأم) على مؤسسة مقيمة في اقتصاد آخر غير اقتصاد المستثمر الأجنبي المباشر. ماليزيا هي بلد مسلم نامٍ، وقد حصلت على العديد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من سنغافورة واليابان والولايات المتحدة وبريطانيا والصين. ويتم تبرير هذا بنقصٍ في رؤوس الأموال المحلية والتي تتطلب من ماليزيا أن تعتمد اعتماداً كبيراً على التمويل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أجل تعزيز الأنشطة الاقتصادية. ويعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر حلاً سحرياً لمشاكل التخلف الاقتصادي. وبسبب المنافسة الحادة، فإن لدى ماليزيا سياسات تدعم المستثمرين الرأسماليين الأجانب. فعلى سبيل المثال، ما يسمى بسياسة المساواة الليبرالية والتي دخلت حيز التنفيذ في حزيران/يونيو 2003، تسمح بتملك الأجانب للأسهم بنسبة 100% في جميع استثماراتهم. وفي النتيجة، فإن الحكومة لا تملك أية سيطرة على الملكية الأجنبية للشركات، كما ويتم إعطاء المستثمرين مطلق الحرية في استغلال الموارد الطبيعية والبشرية في ماليزيا.
قد يعطي الاستثمار الأجنبي المباشر انطباعاً جيداً على المدى القصير، إلا أنه وعلى المدى البعيد، فإن الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر لتعزيز الأنشطة الاقتصادية سيثبت مضاره. إن الاستثمار الأجنبي المباشر في التعدين يؤدي إلى سيطرة الشركات الأجنبية على ملكية المعادن المهمة مثل الذهب والبترول والغاز الطبيعي والبوكسيت.. وهكذا، بينما في الحقيقة فإن هذه المعادن هي ممتلكات عامة. كما أن الاعتماد الكبير على الاستثمار الأجنبي المباشر يؤدي أيضاً إلى مشاكل اقتصادية، وقد اتضح ذلك في تدفق رؤوس الأموال الضخمة في عام 2009 من قبل الشركات المتعددة الجنسية لحفظ شركاتها الأم والتي تأثرت بأزمة الرهن العقاري. وإذا ما تم تبرير الاستثمار الأجنبي المباشر بأنه وسيلة لنقل التكنولوجيا، فهذا موضع تساؤل أيضاً. حيث تلقت ماليزيا استثمارات أجنبية مباشرة من شركات إلكترونية في العقود الثلاثة الماضية. في الواقع، فإن الصادرات الرئيسية من السلع المصنعة في ماليزيا هي المنتجات الإلكترونية. غير أن ماليزيا لا تزال تعتمد بشكل كبير على الشركات الأجنبية في تكنولوجيا الإلكترونيات حتى اليوم! فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بعض الأحيان تؤدي أيضاً إلى الإفراط في الاعتماد على المساعدات الخارجية في مختلف التقنيات المهمة.
فمن الآن، وبالرغم من أن قائمة سلبيات وعيوب الاستثمار الأجنبي المباشر قد لا تزال في تزايد، فإن من الواضح أن الاستثمار الأجنبي المباشر لا ينبغي أبداً أن يكون وسيلة تتخذها الدولة الإسلامية لتطوير نفسها. فقد روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر بقيام خلافة على منهاج النبوة «… ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ…». وستتوحد بإذن الله جميع البلاد الإسلامية تحت ظلها. وبالتالي، فواقعياً، إن على أية خطة للتنمية الاقتصادية لأي بلد إسلامي أن تبنى على أساس هذا الوعد.
إن البلاد الإسلامية اليوم تبرر رغبتها في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنقص في رأس المال. في ظل دولة الخلافة، فقد منح الله سبحانه وتعالى المسلمين موارد طبيعية وبشرية كبيرة بما يكفي لتوليد صناعاتنا بشكل مستقل. إن أحد العوامل المهمة لأي بلد يرغب في تطوير صناعته هو توافر مصدر كافٍ من الطاقة. وقد أظهرت بيانات في عام 2010 أن العالم الإسلامي لديه 70% من احتياطي النفط في العالم وحوالي 50% من مجموع إنتاج النفط الخام في العالم. ولدى العالم الإسلامي أيضاً حوالي 61% من احتياطي الغاز الطبيعي ومن إجمالي احتياطي الفحم في العالم. وبالإضافة لذلك، فإن العالم الإسلامي لديه احتياطي من الذهب والحديد والمعادن الأخرى بكميات كبيرة وقادرة على تلبية جميع احتياجات الطاقة. وعلاوة على ذلك، فإن العالم الإسلامي أيضاً يمتلك قوة عاملة كبيرة، تغطي 18% من مجموع القوى العاملة في العالم. فمع كل هذه المواد الخام وهذه القوة البشرية التي يمتلكها العالم الإسلامي في يده، فإن الخلافة وبلا شك ستكون قادرة على تطوير نفسها ذاتياً دون الحاجة للاستثمار الأجنبي المباشر.
مع هذا الاستقلال، فإن دولة الخلافة ستكون قادرة على السيطرة على خط الإنتاج الصناعي من المواد الخام وصولاً إلى المنتجات النهائية. وهذا يتيح لدولة الخلافة أن تطور تكنولوجيا عالية دون الاعتماد على دول أجنبية. وفي عملية تطوير التكنولوجيا الخاصة بها، فإن دولة الخلافة ستطور برامج تعليمية فعالة لبناء الخبرات في مختلف جوانب التكنولوجيا من خلال تطوير نظام تعليمي عالي الجودة وعن طريق إرسال المسلمين للدراسة في الخارج لإتقان هذه التكنولوجيا. وكدولة رائدة مسؤولة عن حمل رسالة الإسلام للعالم من خلال الدعوة والجهاد، ينبغي عليها أن توجه الصناعة في اتجاه هذه التطلعات. وستكون أولويتها الأساسية تطوير الصناعات الثقيلة لبناء أسلحة ومعدات لإنشاء جيش فعال وقوي، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾.
إن النظام الاقتصادي الرأسمالي اليوم، قد وضع المسلمين في سلم الإذلال، حيث “يتوسل” زعماء المسلمين للاستثمار الأجنبي المباشر من أجل تطوير الاقتصاد الوطني والذي أدى في النهاية لركوع البلاد الإسلامية تحت إرادة الكفار. بينما في الحقيقة، فإن الله سبحانه وتعالى قد وهب للمسلمين كل الثروة في هذا العالم، ووضع الأمة في مكان مشرف. حيث إن المسلمين في الواقع قادرون بشكل كامل على تطوير اقتصادهم بشكل مستقل دون أية مساعدة من الكفار. إلا أن هذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا توحد المسلمون تحت ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة. حيث إنها السبيل الوحيد لاستعادة شرف هذه الأمة الإسلامية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور محمد – ماليزيا