جواب سؤال
ما جرى ويجري حول حلب من تآمر وخيانة وتخذيل!
السؤال: لم يمض أسبوعان على القتال في حلب اعتباراً من 2016/11/26 حتى بدأت أحاديث الانسحاب والجلاء للمدنيين والمقاتلين… ثم لم يمض أسبوع بعد ذلك حتى أوشك القسم الشرقي من حلب على الفراغ من سكانه المدنيين والمقاتلين وعائلاتهم: (بيروت-عمان “رويترز” – تجمع الآلاف في ميدان بشرق حلب السورية انتظارا لحافلات ستنقلهم خارج المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة ضمن عملية إجلاء تأمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تستأنف يوم الأحد… ويقول سكان إن ما يقدر بنحو 15 ألف شخص تجمعوا في الميدان الرئيسي في حي السكري في حلب ومعظمهم من المدنيين المتبقين في آخر جيب تسيطر عليه المعارضة وأغلبهم من عائلات المقاتلين ومدنيين آخرين كما يوجد القليل من المقاتلين. وقدم المنظمون رقما لكل عائلة للسماح لهم بركوب الحافلات عندما تصل… رويترز عربي ودولي 2016/12/18)، فما الذي جعل هذا التسارع في (تسليم) حلب الشرقية للنظام، مع أن التقارير السابقة كانت تقول إن بإمكان حلب أن تقاوم النظام عاماً على الأقل؟ فهل السبب ضعف المقاتلين، أم تآمر المتآمرين؟ وشكراً.
الجواب: لقد تعرضت حلب إلى هجمة وحشية شرسة بإدارة أمريكا وتخطيطها وبتنفيذ من روسيا وإيران والأتباع والأشياع، ومع أن هذه الهجمات كانت تنوء بالجبال الراسيات إلا أن حلب قاومت وصمدت ونكأت تلك الجموع بما آلمهم وأدماهم وكان يمكن أن يستمر ذلك أمداً طويلاً… لكن أمر أمريكا لتركيا أن تدخل على خط حلب بالتآمر مع روسيا وبتخذيل الفصائل المرتبطة بها والضغط عليها للتراجع والانسحاب المتكرر هو الذي أوجد الاضطراب ومن ثم ما يشبه “تسليم” حلب، فتركيا كان موكولاً لها تنفيذ المخطط الأمريكي بالتنسيق مع الروس لتمكين النظام من دخول حلب الشرقية… وهكذا فالذي أسقط حلب بأيدي النظام ليس هو قوة النظام بل تآمر المتآمرين وفق خطة متفق عليها بين روسيا وتركيا بإشراف أمريكي. لقد كشف بوتين هذا الأمر ولم يستر شريكه أردوغان بل فضحه على رؤوس الأشهاد في مؤتمر صحفي! فقد قال بوتين في مؤتمر صحفي إن ما تم في حلب هو ترجمة لما اتفق حوله مع أردوغان خلال زيارته إلى بطرسبورغ: (فجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قنبلة سياسية حين كشف عن أن عملية إجلاء المسلحين من شرق حلب كان تم التوصل إليها خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بطرسبورغ في آب/أغسطس الماضي… وقال الرئيس الروسي في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طوكيو، اليوم “أمس” الجمعة، إن موسكو اتفقت مع أنقرة على مساهمة تركيا في إخراج هؤلاء المسلحين الذين سيوافقون على إلقاء السلاح من أجل حماية المدنيين قبل كل شيء. وأضاف “إذا حكمنا من خلال ما أراه فإن ما يحدث هو بالضبط ما اتفقنا عليه مع الرئيس التركي خلال زيارته إلى بطرسبورغ”…) (إيلاف، 2016/12/16، سبوتنيك نيوز، 2016/12/16).
لقد كان يمكن أن أختم الجواب بتصريح بوتين، ولكني سأوضح أكثر كيف أن حلب الشهباء، حلب البطولة والإباء قد طعنت في مقتل من تركيا التي كانت تعدها خطاً أحمر فجعلتها خطاً مائعاً يسيح في دمه… وكذلك طُعنت من تلك الفصائل بتوليها يوم الزحف بفعل تبعية المال القذر الذي كانت تتغذى عليه من أبواب تلك الدول الخائنة لله سبحانه ورسوله e والمؤمنين… ولذلك فإني سأوضح هذا الأمر أكثر:
أولاً: لم يكن الثوار في حلب وحولها أبداً ضعفاء لدرجة أن تقتحم في فترة وجيزة! ففي فترة أسبوعين تقريباً وبدءًا من 2016/11/26 دخلت قوات النظام وحلفائه حي هنانو أكبر أحياء مدينة حلب، وتقدمت فقضمت الصاخور ثم الشعار ومحيط حلب القديمة، وكان تقدم تلك القوات سهلاً بشكل غير متوقع، إذ لم تجد في طريقها المقاومة التي كانت ستواجهها لولا تدخُّل أردوغان، وبعد استراحة ليومين بدأت قوات النظام تتقدم على المحور الجنوبي للمدينة فاحتلت حي الشيخ سعيد، وكانت خلال تلك الفترة تتقدم بحملة مسعورة من الجو والبر دون أن تراعي أي حرمة لدماء المدنيين أو هدم البيوت، بل وحرقها، فكانت المجازر وحملات الترويع، وكل هذا كان مقصوداً لإلقاء الرعب في نفوس المقاتلين الذين رفضوا مغادرة حلب، وذلك لإجبارهم على الخروج السريع من المدينة… ومنذ بداية الحملة العسكرية على حلب فقد كانت تركيا تتحرك مع روسيا بشكل محموم حول الساحة السورية، فقد ذكرت بي بي سي في 2016/12/02 (وقال مولود جاويش أوغلو إن تركيا تتشاور مع روسيا وإيران حليفي الأسد ومع سوريا ولبنان أيضا من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ناقش الشأن السوري هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين 3 مرات في الأسبوع الماضي على الأقل، بينما التقى جاويش أوغلو بوزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف في تركيا يوم الخميس لبحث الموضوع نفسه)، وكانت هذه التحركات لتنفيذ المجزرة الدموية في حلب خطوة خطوة، بعد أن تم رسم تفاصيلها مع واشنطن، فانطلقت الأطراف التركية والروسية وملحقاتها لتنفيذها.
ثانياً: كان المسؤولون الأتراك خلال الفترة التي سبقت التنفيذ يدلون بتصريحات غريبة، وغير معهودة من ذي قبل بخصوص طرد “الإرهابيين” من حلب (طالب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بوقف الاشتباكات في حلب شمال سوريا، ودعا إلى خروج جبهة فتح الشام – جبهة النصرة سابقا من حلب فورا…) (الجزيرة نت، 2016/10/27) وكان ذلك بعد اجتماع لوزان الذي قادته أمريكا بخصوص سوريا، وفي تلك الفترة كانت أمريكا تعد الميدان مع الطرف التركي اللاعب الأكثر حساسية فيها، وفي اليوم التالي زادت حدة التصريحات التركية بشكل ملحوظ، فقد نقلت الاتحاد برس 2016/10/17 (قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إنه “يجب تطهير حلب من إرهابيي النصرة فوراً، وعلى المعارضة السورية أن تنفصل عنها”، وذلك بعد يوم واحد من الاجتماع الذي جمع وزراء خارجية كل من “روسيا وأمريكا وإيران والعراق ومصر وتركيا والسعودية وقطر والأردن” إضافة للمبعوث الأممي الخاص بسوريا، ستيفان دي ميستورا، في مدينة لوزان السويسرية. ويعتبر هذا الموقف الأول من نوعه من تركيا تجاه جبهة النصرة المصنفة كتنظيم إرهابي لدى الأمم المتحدة)، وأما عن الاتفاق بين روسيا وتركيا فقد ذكرت ترك برس مبكراً 2016/10/31 ونقلاً “عن صحيفة يني شفق التركية” من مصادر لم تكشف عنها (أنّ تفاهماً تمّ التوصل إليه بين تركيا وروسيا، وبحسب المشروع التركي الروسي الجديد، فإنّه سيتم إعادة الأوضاع في كل من حلب وريف اللاذقية وإدلب والحسكة ودير الزور والرقة إلى ما كانت عليه قبل بدء الحرب السورية، مع مراعاة الهيكلية الديمغرافية لهذه المناطق). ومن ثم انطلقت تركيا-أردوغان في خطوات سريعة للغاية وتنسيق وثيق مع روسيا لتنفيذ بنود اتفاق “تسليم” حلب!.
ثالثاً: اختبأت أمريكا قليلاً خلف الستار، وظهر أردوغان والأضواء من حوله على المسرح السوري، وبشكل متزامن مع بداية الهجوم على حلب أعلنت تركيا، وبشكل مفاجئ عن مفاوضات تجري بين المجرمين الروس وبين وفد المعارضة المفاوض الذي شارك فيه (أحرار الشام وجيش المجاهدين وفيلق الشام وفصائل الجبهة الشامية…) (ترك بريس، 2016/12/08)، وقد وقع هذا الوفد في فخ أردوغان الذي تم إعداده في واشنطن، وكانت هذه المفاوضات هي النافذة التي تلقي منها روسيا ومعها أردوغان بالصدمات على الساحة الحلبية، فطالبت روسيا بخروج “فتح الشام” من حلب، وكان ذلك مع بداية المعارك البرية في حلب، وعلى الرغم من أنه مطلب روسي معلن منذ زمن، إلا أن عرضه في أنقرة وبحضور المسؤولين الأتراك ورعايتهم، قد أوصل رسالة قوية للمعارضة المسلحة بأن تركيا تريد انفصالها عن “الإرهابيين!”، واستمرت المفاوضات على وقع المجازر والترويع في حلب، ثم طلبت روسيا في اليوم التالي خروج المقاتلين كافة من حلب، ولما أيقن المفاوضون عن المعارضة المسلحة بأن هذا الطلب الروسي هو طلب تركي أيضاً، فقد قاموا بالضغط على المعارضة في حلب لكي تنسحب وتخرج، أي تقوم بتسليم المدينة للنظام وحلفائه، وعندها أصبح واضحاً أن الوفد المفاوض في أنقرة والممثل للمعارضة المسلحة هو من ينفث سموم التخذيل داخل حلب أثناء الترويع الذي تقوم به روسيا وإيران والنظام براً وجواً… لما أصبح هذا واضحاً أبلغ الثوارُ من داخل مدينة حلب الوفدَ المفاوض بأنهم لن ينسحبوا من المدينة وأنهم سيدافعون عنها، وتم الإعلان عن تأسيس جيش حلب.
رابعاً: بدأت روسيا تذيع أخباراً تبين أن قسماً من الثوار قد انصاع للضغوط التركية، لا سيما وأن قياداته العسكرية والسياسية هي التي كانت تفاوض روسيا وتركيا في أنقرة، فقد أعلنت قناة روسيا اليوم 2016/12/6 “وذكر رودسكوي أن قرابة 3500 من مسلحي المعارضة المعتدلة ألقوا سلاحهم واستسلموا، وتم العفو عن 3 آلاف منهم”، وذكرت روسيا أنباء شبيهة أثناء المعارك… أي أن ذلك كان عملية خروج مبكر من المدينة للعناصر الموالية لتركيا وتسليم الأحياء التي كانوا فيها للجيش وحلفائه وكذلك للفصائل الكردية المتحالفة مع النظام. وهكذا استجابت تلك الفصائل للتخذيل التركي، وانصاعت لضغط تركيا المباشر أو عبر الوفد المفاوض أو عبر القيادات العسكرية والسياسية لها القابعة في تركيا، والتي تمرغت في المال القذر المسموم المقدم من تركيا والسعودية وقطر وغيرها، ولما تخلت تلك الفصائل عن القتال في حلب، سواء أغادرتها في مشهد “تسليم” أنفسهم للجيش بضمانات تركية، أم بالانسحاب إلى الخلف في مشهد الهزيمة وتخذيل البقية الباقية من الفصائل خاصة جنوب حلب، فإن عملية “تسليم” حلب قد وقعت فعلاً. ولولا هذه المشاهد لما تمكن جيش المجرم من السيطرة السريعة على حلب، قلعة الثورة في الشمال السوري والشوكة الكبرى في حلق أمريكا، فقد كانت تقديرات العسكريين تشير إلى قدرة المقاومة في حلب على الصمود لعام كامل. وكذلك ما ذكرته آسيا نيوز 2016/12/07 (ونقلت صفحات المعارضة تسريبات عن قادتها، وصفتها بأنها “خيانة بحق الثوار” حيث تمّ تأكيد خبر إجراء بعض قادة الفصائل المسلحة في حلب محادثات مع واشنطن للاستسلام وإخلاء كامل المدينة، ابتداء من صباح الأربعاء، ما وصفوه على صفحاتهم بأنه “اتفاق روسي أمريكي أرغم القادة على تسليم حلب للحكومة السورية وإيران” حسب تعبيرهم).
خامساً: وعلى الجانب العسكري وبموازاة الحملة المسعورة في حلب فقد أخذت تركيا تدشن حملة أخرى في مدينة الباب ضد تنظيم الدولة، وهي السم الآخر الذي نفثه أردوغان لإنجاز تسليم حلب، وذلك لأنه كان بذلك يوجد المبرر والداعي لضرورة تسريع خروج المقاتلين من حلب لحاجته إليهم في مدينة الباب بالتزامن التام مع الحملة المسعورة على حلب. فحماية المسلمين في حلب والدفاع عنهم لا تساوي شيئاً في عرف الرئيس التركي أردوغان، بل كان حريصاً على تنفيذ مشاريع أمريكا، غير مبالٍ بعاقبة ذلك في الدنيا والآخرة… ومع شدة التخذيل التركي للفصائل الموالية، وضغطها الشديد للالتحاق بمعركة الباب في “درع الفرات”، فقد أثر ذلك في إضعاف جبهة حلب. لقد بلغ التخذيل ذروته يوم 2016/12/08 مع المقاتلين المدافعين عن حي الشيخ سعيد جنوب المدينة، هذا الحي الذي لم يتمكن الجيش وحلفاؤه من التقدم فيه وكان الثوار يصدونهم بقوة طوال الأسبوعين الماضيين… لكن انسحاب بعض الفصائل الموالية لتركيا بحجة القتال في الباب أربك الجبهة وأضعفها ومن ثم ضاقت الأحياء المتبقية تحت سيطرة الثوار حتى انحسرت في الجنوب الغربي كأجزاء من صلاح الدين والسكري في مساحة ضيقة بعد أن تكدست فيها أعداد كبيرة من المدنيين الفارين من الأحياء الأخرى. وهنا وبصدمة لا تقل ترويعاً فقد أعلنت تركيا عن توصلها لاتفاق مع روسيا لإجلاء المسلحين والمدنيين من حلب. (وأكدت مصادر في المعارضة السورية، أنه تم الاتفاق مع نظام الأسد على وقف إطلاق النار وإخلاء الأحياء المحاصرة في شرق حلب من المدنيين والمسلحين، وأن التنفيذ سيبدأ صباح الأربعاء. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المسؤول في جماعة نور الدين الزنكي قوله، إن الاتفاق جرى برعاية روسية تركية، وسيبدأ تطبيقه خلال الساعات القادمة. وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليوم أن بلاده ستكثف اتصالاتها مع روسيا للتوصل إلى وقف إطلاق النار في حلب، خاصة لإفساح المجال للمدنيين كي يغادروا…) (أخبار الآن، 2016/12/13). وكان من فظاعة هذا المشهد الصادم أن تم الإعلان في البداية أن التنفيذ سيكون سريعاً للغاية ما بين الساعة الخامسة والسابعة صباحاً، وكان المقصود من ذلك أن تسيطر مشاعر الهزيمة بشكل صادم ومانع للتفكير في أي خيار آخر… وكل ذلك مغلف تركيّاً بضرورة إنقاذ المدنيين!
سادساً: بدأت الفصائل المسلحة الموالية لتركيا بالانسحاب من حلب في مشهد خذلان لا يقبله مسلم، وتبجحت روسيا بذلك (أعلنت هيئة الأركان العامة الروسية، الجمعة 16 كانون الأول/ديسمبر، عن استكمال عملية فصل المعارضة المعتدلة في شرق حلب عن الإرهابيين) وفي وقت سابق من الجمعة، أعلن مركز التنسيق الروسي للمصالحة في سوريا “مركز حميميم” (انتهاء عمليات إجلاء المسلحين وعائلاتهم من شرق حلب. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن الجيش السوري يدمر بؤرا للمتطرفين شرق حلب…) (روسيا اليوم، 2016/12/16) وهنا بدأ يتضح حجم المؤامرة التركية على الثورة السورية، إذ تم إخراج الفصائل الموالية لتركيا، وقد تركت وراءها أهل حلب مع عدد غير كبير من المقاتلين المخلصين. وذلك حتى تستفرد بهم روسيا وإيران والنظام وتتمكن من استئصالهم لأنهم “إرهابيون” حسب التصريحات سابقة الذكر لوزير الخارجية التركي وكذلك بيان مركز حميميم الروسي… وأمام هذه الإعلانات الروسية الصريحة بحشر فئة من المقاتلين في الزاوية تمهيداً لأسرهم أو استئصالهم دون أي اكتراث بالعدد الكبير للمدنيين الذي بقي محشوراً معهم في تلك الزاوية، فإن تركيا تعلن بأن عمليات الإجلاء مستمرة، رغم توقفها، وذلك لأنها قد صارت في وضع حرج للغاية أمام الفصائل المسلحة الموالية لها والتي جرى إخراجها على عجل من حلب، تلك الفصائل التي وافقت على الانسحاب ضمن عملية إجلاء شاملة للجميع. والآن تجد نفسها وقد أوقعتها تركيا-أردوغان في الفخ، لتنفيذ ما تصبو إليه أمريكا وروسيا فيما يسمونه بفصل المعارضة المعتدلة عن “الإرهابيين”… وهكذا تم صنع واقع جديد في حلب، يسهل فيه استهداف الثوار المخلصين، فقد تبجحت أمريكا وروسيا وكذلك أردوغان بنجاح الخطة الأمريكية ليتم الإعلان عن نقل مسرح الأحداث بعد ذلك إلى مكان بعيد، أستانة عاصمة كازاخستان!.
سابعاً: وأما أمريكا، وإن كانت مختبئة وراء ستار لغرض يقتضيه ضيق المدة المتبقية لإدارة أوباما، واطمئنانها لوجود اللاعب التركي الذي أثبت إخلاصاً كبيراً لها، فعلى الرغم من ذلك فإنها لم تكن أبداً بعيدة عن المشهد، فكانت تطل برأسها لتظهر فرحتها الكبيرة:
– قال الرئيس التركي طيب أردوغان إنه ناقش الوضع في سوريا والعراق مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في اتصال هاتفي يوم الخميس. وقال أردوغان إن تركيا ستواصل مراقبة إجلاء المدنيين من حلب. (رويترز، 2016/12/15).
– عبر الرئيس أوباما عن شكره للرئيس أردوغان لجهود بلاده في التوسط في وقف إطلاق النار في حلب للسماح بالإخلاء الآمن للمعارضة والمدنيين. (موقع وزارة الخارجية الأمريكية تويتر، 2016/12/16).
– خروج وزير الخارجية الأمريكي 2016/12/15 وإدلاؤه ببيان عن عملية الإجلاء عن حلب، يظهر مدى رضا أمريكا بهذه النتيجة التي كانت حلماً كبيراً لها في فترة “استراحة المهادن” التي نفذتها بالدم أو ما سبقها في السنوات الفائتة، وقول كيري (ما نريده في حلب حاليا وقبل مواصلة التقدم هو وقف فوري ودائم للأعمال العدائية، المفاوضات هي السبيل الوحيد لإنهاء الحرب وقد أبدت المعارضة رغبتها في العودة للمفاوضات…) (موقع وزارة الخارجية الأمريكية تويتر، 2016/12/16).
– (علمت «القبس» من مصادر رسمية رفيعة المستوى كانت قد حضرت جزءا من الاجتماع الذي جرى يوم السبت الماضي في باريس على مستوى وزراء الخارجيّة بخصوص الوضع في حلب وعموم سوريا، أنّ ما قاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال الاجتماع «كان يرقى حتماً إلى مطالبة المعارضة السورية السياسية والمسلّحة بالاستسلام التام لروسيا وإيران وبشار الأسد». وقال المصدر في تصريحات خاصة لـ القبس إنّ كيري طالب خلال الاجتماع بإخراج كل المقاتلين من حلب، وبدفع المعارضة السورية للذهاب إلى طاولة المفاوضات في جنيف دون أي قيد أو شرط… ويضيف المصدر أنّ المشاركين أصيبوا بنوع من الصدمة عندما تساءلوا عن الخيارات الممكن اعتمادها للضغط على الأسد وحلفائه، فأجاب كيري دون مواربة «رئيسي – أي الرئيس أوباما – قرر الذهاب إلى الحرب لمقاتلة «داعش» فقط…) (موقع جريدة القبس، 2016/12/13)
ثامناً: فهذه هي المسرحية الدموية، وتلك كانت أدواتها، وذلك ما قام به رئيس تركيا أردوغان بعد أن رخصت عليه دماء المسلمين في سوريا، لقاء رضا أمريكا عنه، وشلالات الدم التي أريقت في حلب، والمذابح والمجازر… كل هذه السموم التي نفثت في جسد مدينة حلب كانت بسبب المال القذر الذي يتكسبه قادة الفصائل من تركيا والسعودية وغيرها، فأحنت له رقابهم، وخوت عزائمهم وكانوا قد زعموا من قبل أن لا يبيعوا شعباً ولا دماً، فها هم اليوم في أسواق النخاسة في تركيا والسعودية يهيمون على وجوههم بعد أن اكتمل الجزء الأول من صفقة البيع، وظهرت نتائجها المدمرة، فهل من معتبر؟ وهل هناك من لا يرى أن قبول المال السياسي هو الانتحار بعينه؟!
وأما المشاهد المتبقية من مسرحية حلب بعد انتهاء “استراحة المهادن” الأمريكية فإنها لا تقل ذلاً وعاراً عن ما سبقها، فمن بقي له بقية من حياء مطلوب منه خلعها في أستانة عاصمة كازاخستان، فقد قال تشوركين مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة إن المهمة الأولية في سوريا، بعد تحرير حلب، تتمثل بـ”الوقف الكامل للأعمال القتالية واستئناف المفاوضات بين الأطراف السورية”. (روسيا اليوم، 2016/12/16) وكان بوتين قد أعلن قبل ذلك وفق قناة روسيا اليوم 2016/12/15 بأنه اتفق مع أردوغان على أن يقدما عرضاً للنظام السوري وممثلي الفصائل المسلحة للمفاوضات، وكما ذكرت ترك برس 2016/12/16 (صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأنه سيلتقي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عاصمة كازاخستان “أستانة” لبحث تثبيت وقف إطلاق النار في سوريا. وذكر بوتين في تصريح له قبيل مغادرته إلى اليابان، أنه سيتم تطبيق اتفاقيات مفاوضات جنيف بشأن سوريا التي تمت بواسطة الأمم المتحدة. ولفت الرئيس الروسي إلى أن الخطوة القادمة ستكون وقف إطلاق النار على مستوى كل سوريا. وبين بوتين أنه اتفق مع الرئيس التركي على تقديم عرض لأطراف النزاع في سوريا لبدء مفاوضات جديدة. وأضاف الرئيس الروسي، أنه بذل جهودا مكثفة مع نظيره التركي حتى إتمام تحقيق وقف إطلاق النار في مدينة حلب، وتسهيل عملية إجلاء المحاصرين).
فهذا الطريق، طريق التسليم وتثبيت نظام الأسد بعد ترميمه، هو ما تقود تركيا-أردوغان فصائل المعارضة المسلحة إليه، في الجزء الخاص بها ضمن الخطة الأمريكية، وإذا كانت حجرات الإخلاص قد نفدت تماماً من قلوب قادة الفصائل فإنهم سائرون إلى أستانة عاصمة كازاخستان لوضع سوريا وأنفسهم على المشنقة لقاء ثمن بخيس، وأما إذا بقي لديهم بعض تلك الحجرات فيجب عليهم القفز فوراً من سفينة أردوغان والالتحام بصدق مع الشعب قبل أن يلفظهم، وقد بدأ… وأما المخلصون في تلك الفصائل فإن عليهم إرجاع قادتهم إلى المسار أو التغيير عليهم، إذ كيف يمكن لثورة أمة أن يبيعها قادة فصائل ببضعة ملايين من الدولارات لعدوهم روسيا، وأمريكا؟! هكذا دون أن يستحيوا من الله ورسوله والمؤمنين! وأما أهل سوريا فإن الله كتب عليهم هذه الابتلاءات ليميز الخبيث من الطيب في بقعة هي خير منازل المسلمين، وفيها عقر دار دينه. ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
تاسعاً: وأخيراً وليس آخراً، فإننا نذكِّر أردوغان وكل من تآمر على حلب وساهم في استسلامها وتخذيل المقاتلين إرضاء لأعداء الله سبحانه ورسوله e، نذكِّره بحديث رسول الله e الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e، قَالَ: «مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ».
وها هو قد رأى وسمع كيف يتكلم الناس عنه بغضب، بل حتى صديقه بوتين لم يستر عليه، بل فضحه على رؤوس الأشهاد في مؤتمر صحفي! ولا بأس بإعادة ما ذكرناه في البداية:
(فجَّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قنبلة سياسية حين كشف عن أن عملية إجلاء المسلحين من شرق حلب كان تم التوصل إليها خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بطرسبورغ في آب/أغسطس الماضي… وقال الرئيس الروسي في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طوكيو، اليوم “أمس” الجمعة، إن موسكو اتفقت مع أنقرة على مساهمة تركيا في إخراج هؤلاء المسلحين الذين سيوافقون على إلقاء السلاح من أجل حماية المدنيين قبل كل شيء. وأضاف “إذا حكمنا من خلال ما أراه فإن ما يحدث هو بالضبط ما اتفقنا عليه مع الرئيس التركي خلال زيارته إلى بطرسبورغ…) (إيلاف، 2016/12/16، سبوتنيك نيوز، 2016/12/16)، هذا فضلاً عن العذاب الأليم الذي أعده الله لكل من أجرم في حق أمة الإسلام، أو ساهم في ضياع أرض الإسلام ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾).
وأما أولئك الأشرار فأعيد عليهم ما سبق أن قلناه: (ومع كل هذا فإن حلب مهما أصابها من تدمير ستنهض من جديد، وستبقى أرض الشام بعامة وحلب الشهباء بخاصة خنجراً مسموماً في حلق أمريكا وروسيا والأتباع والأشياع، تقض مضاجعهم وتقتلهم بجرائمهم، ولن يهنأوا بنصر يزعمونه فأنْ لا يستطيعوا دخول بلد إلا بعد تدميره هو نصر موهوم… وأن لا يتمكنوا من مقاتل إلا بعد استشهاده هو نصر المهزوم… وأن يحشدوا الصواريخ المدمرة والبراميل المتفجرة والجيوش المؤلفة أمام مئات أو بضعة آلاف، ومع ذلك لا يستطيعون مجابهتهم إلا بالقاذفات الجوية والبوارج الحربية فإن هذا لهو نصر الجبان المرعوب من مقابلة الرجال الرجال وشأن هذا النصر إلى زوال… إن أمريكا وروسيا والأحلاف والأشياع والأتباع يريدون أن يعيدوا بجرائمهم الوحشية سيرة إخوانهم من قبل الصليبيين والمغول التتار بما صنعوه من جرائم في العراق وبلاد الشام، ولكن هؤلاء لم يعتبروا بمصير أولئك، فقد اقتلعهم المسلمون من بلادهم ونهضوا من جديد، وعادت عزة الإسلام والمسلمين، وقويت خلافتهم، وفتحوا مدينة هرقل وأصبحت مدينة الإسلام “استانبول”، واقتربوا من موسكو وطرقوا أبواب فينا، والأيام دول، وإن غداً لناظره قريب ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾).
التاسع عشر من ربيع الأول 1438هـ
2016/12/18م