وجوب نصرة الإسلام لحمله رسالة هدى للعالمين
يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾. يقول الطبري في تفسير هذه الآية: “والصواب من القول في ذلك قول من قال: عُني به الجهاد في سبيل الله، لأن المعروف من الجهاد ذلك، وهو الأغلب على قول القائل: جاهدت في الله، وحقّ الجهاد: هو استفراغ الطاقة فيه. قوله: ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾ يقول: هو اختاركم لدينه، واصطفاكم لحرب أعدائه والجهاد في سبيله. قوله: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ يقول تعالى ذكره اجتباكم الله وسماكم أيها المؤمنون بالله وآياته من أمة محمد صلى الله عليه وسلم مسلمين، ليكون محمد رسول الله شهيدا عليكم يوم القيامة، بأنه قد بلَّغكم ما أرسل به إليكم، وتكونوا أنتم شهداء حينئذ على الرسل أجمعين، أنهم قد بلَّغوا أممهم ما أرسلوا به إليهم”.
يتضح من الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل الرسل برسالات من عنده، وفرض عليهم تبليغ تلك الرسائل الربانية. أما بالنسبة للأمة الإسلامية، فإن الله سبحانه وتعالى أرسل رسالة الإسلام العظيم للناس كافة، ولم يحصرها في أمة أو شعب أو عرق من البشر، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون﴾، وقد بلغ رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الرسالة كما أمر بتبليغها، وقد كان قدوة للأمة الإسلامية في التبليغ والتطبيق وحملها للناس كافة، وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا… ﴾.
يتضح أيضًا من الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى كما فرض على الرسل تبليغ الرسالة للناس، فرض كذلك على المسلمين حمل هذه الرسالة للبشرية جمعاء، وذلك بالدعوة والجهاد، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾، فبعد أن اخترنا الرسالة الربانية وقبلنا وآمنا بها، أصبح علينا فرض حملها بالدعوة والجهاد.
لقد فهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم هذا الفهم وعملوا بمقتضاه، فهم حين آمنوا برسالة الإسلام عملوا بها في حياتهم، حيث ركّز رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم دولتهم الأولى في المدينة المنورة، التي تحاكموا فيها بالإسلام، ومن ثم رصوا صفوفهم وشكلوا جيشًا بل جيوشًا لحمل الرسالة للعالمين بفتح البلدان والأمصار ومواجهة قوى الكفر والظلام، من القبائل العربية الجاهلية إلى الفرس المجوس من عبدة النار إلى الروم عبدة الصليب، وهكذا كانت حياة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، حياة كفاح ونضال وجهاد في سبيل تبليغ رسالة الإسلام العظيم، تلك الرسالة التي آمنوا بها وعاشوا من أجلها، فكانت حياتهم كلها الإسلام وللإسلام.
وقد كان واضحاً لأهل القوة “القبائل” في ذلك الوقت الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب نصرتهم، كان واضحاً لهم أن المطلوب هو أن يحموا الرسول صلى الله عليه وسلم ويمكنوه من إقامة كيان بين ظهرانيهم يطبق فيه أحكام الله سبحانه، أي أنهم كانوا يدركون بشكل صريح واضح أن النصرة هي لإقامة دولة تحكم بالإسلام وتجاهد في سبيل الله لنشر دعوته، ولذلك قال بنو عامر بن صعصعة عندما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم نصرتهم، قالوا: “أرأيتَ إنْ نَحْنُ بَايَعْنَاكَ عَلَى أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: «الْأَمْرُ إلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أفَتُهدَف نحورُنا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا! لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ؛ فَأَبَوْا عَلَيْهِ”، أي أنهم كانوا يعرفون أن النصرة هي لإقامة دولة، فأرادوا أن يكونوا هم حكامها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك قال بنو شيبان للرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب نصرتهم: “وإنما نزلنا بين ضرتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما هاتان الضرتان؟» قال: أنهار كسرى ومياه العرب، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه» فكانوا يدركون أن النصرة تعني حكماً وجهاداً للعرب والعجم، فوافقوا على قتال العرب، أما الفرس فلا!!
ولما سقطت دولة الإسلام التي كانت تطبق الإسلام وتحمله رسالة للعالمين، انشغلت الأمة وما زالت منشغلة في سلسلة من القضايا فرضها الكافر المستعمر، في مقاومة الاستعمار الذي فرّق كلمتها ومزقها إلى دويلات إقليمية وعرقية ومقاومة الاعتداءات المتكررة من قبل الحملات الصليبية الغربية التي لم تتوقف يومًا منذ الحملات الصليبية الأولى؛ وفي قضايا داخلية لا تعد ولا تُحصى، من بطش حكام لئام نصّبهم الكافر المستعمر على رؤوسهم، ومكابدة فقر مدقع أوجده الكافر المستعمر بعد استعماره لبلاد المسلمين ونهب ثروتهم… وكثير من القضايا التي أشغلت الأمة عن حمل رسالة الإسلام للعالمين، فكيف لمحتل أو سجين أو مقهور أو جائع حمل رسالة عالمية للبشرية يتحدى بها المجتمع الدولي والموقف الدولي ويعمل على تغييره برسالة غير الطاغوت الذي يسود على العالم؟!
إن مجمع هذه القضايا التي ينشغل بها المسلمون هو غياب الدولة الإسلامية المبدئية التي تحكم بالإسلام وتحمل رسالة الإسلام قضية مصيرية لها، تأخذ إزاءها إجراء الحياة أو الموت، ويكون حمل الدعوة إلى الإسلام عنوان سياستها الخارجية، وتطبيق الإسلام كله في الداخل مركز تنبهها. لذلك وحتى نكون شهداء على الناس في تبليغ رسالة الإسلام لغير المسلمين وجب علينا إيجاد تلك الدولة التي تجيّش الجيوش لفتح البلاد التي تحكم بالطاغوت فتحكمهم بالإسلام؛ وتتم عملية التبليغ من خلال مؤسسات الدولة التي تطبق أحكام الإسلام بشكل عملي على رعاياها في البدان التي تم فتحها، حتى يروا الإسلام أمامهم فيدخلوا في دين الله أفواجًا، وهذه هي الطريقة الشرعية التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده صحابته الكرام وتابِعوهم، إلى أن أُسقطت دولتهم في بداية القرن الماضي. قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»، والآمر هنا هو الله سبحانه وتعالى والمأمور هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما هو معلوم في الأصول أن أمر الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم هو أمر للأمة ما لم يرد دليل يخصصه به.
مما تقدم يتبين عِظم فرضية حمل الرسالة للناس كافة، ويتضح من النصوص الدالة على ذلك أن هذه القضية هي قضية مصيرية للمسلمين، فهي قضية حياة أو موت، قضية صراع على وجود الأمة ودينها أو عدمه، وهذا التوصيف يجعل نصرة دين الإسلام وإعزازه بإقامة دولة الإسلام، الخلافة على منهاج النبوة الفرض الحافظ للفروض، فمن دونه لا يُطبق الإسلام في حياة المسلمين، ولا تبلغ الرسالة الربانية للبشرية كما أمر الله سبحانه وتعالى، فتضيع الأمانة التي حملناها. الواجب على أهل القوة والمنعة في بلاد المسلمين إعطاء نصرتهم لأصحاب مشروع الخلافة على منهاج النبوة حتى يبرئوا ذمتهم من واجب نصرة الإسلام وحمله للبشرية، فإن تأخروا أو أبوا فحسابهم عند الله عسير والعياذ بالله.
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بلال المهاجر – باكستان