Take a fresh look at your lifestyle.

مصطلح أهل السنة والجماعة – الحلقة الرابعة – ثانيا: تاريخ مصطلح أهل السنة والجماعة


 

مصطلح أهل السنة والجماعة

 

الحلقة الرابعة

 

ثانيا: تاريخ مصطلح أهل السنة والجماعة

 

 

 

أولا: مصطلح الجماعة له مفهوم شرعي محدد

 

ورد في جملة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لفظ الجماعة مضافة إلى المسلمين، ومن ذلك: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله r، قال: «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ المسلمين، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»، رواه أحمد وابن ماجه وهو حديث حسن،

 

خطب عمر رضي الله عنه بالشام فقال: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ rمَقَامِي فِيكُمْ، فَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْرًا، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يُعَجِّلَ الرَّجُلُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، وَبِالْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَمِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، فَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» رواه الترمذي وأحمد، وهو حسن صحيح، ففي هذين الحديثين الأمر الصريح بلزوم جماعة المسلمين، ولقد وقفت[1] على كلام نفيس للإمام الشافعي رحمه الله يبين فيه معنى أمر النبي r، بلزوم جماعة المسلمين. فبعد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله لحديث عمر السابق قال: (قال: فما معنى أمر النبي بلزوم جماعتهم؟ قلت: لا معنى له إلا واحد. قال: فكيف لا يحتمل إلا واحداً؟ قلت: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجَّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى، لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما. ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها)[2] لاحظ في كلام الشافعي رضي الله عنه أمرين: ما عليه الجماعة من التحليل والتحريم، ومفهوم ذلك: أن معاريف الإسلام هي المعاريف في المجتمع، ومنكراته هي المنكرات، وثانيهما: الطاعة فيهما، والطاعة هنا لله ولرسوله ولأولي الأمر من المسلمين، كما سيتضح بعد قليل إن شاء الله.

 

ولاحظ أمراً ثالثاً مهماً: اجتماع الأبدان لا يشكل مجتمعا، ولا معنى له إطلاقا، بل ما يشكل الجماعة التي على المسلم لزومها وعدم الخروج عنها هو اجتماعهم على المفاهيم، والمفاهيم هي أساس تعريف المجتمع تفريقا له عن تعريف الجماعة، فالشافعي رضي الله عنه يفرق تفريقا دقيقا بين جماعة من الناس وبين المجتمع!

 

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ rعَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» رواه البخاري ومسلم. تأمل هنا: ما غير جماعة المسلمين وإمامهم عبارة عن فرق، يجب اعتزالها، ويجب لزوم الجماعة والإمام، فلا وجود للجماعة بغير إمام، لأنه لو كان لها وجود بغير إمام لكان بالإمكان لزومها في حال غيابه، وكذلك لا وجود للإمام (أي الخليفة) إلا بأن يكون خليفة على جماعة المسلمين!

 

عن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ…» فذكر الحديث بطوله، قال رسول الله r: «وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَمَرَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِنَّ: الْجَمَاعَةُ، وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ» رواه الترمذي وأحمد،

 

عن ابن عباس عن النبي rقال: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه البخاري،

 

وأخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان ومصححا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري في أثناء حديث طويل، «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً، فَكَأَنَّما خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ».

 

لاحظ ألفاظ الحديث تزاوج بين الخروج من الجماعة، والخروج من السلطان، وهما شيء واحد، فالسلطان في الإسلام للأمة، تمنحه بعقد البيعة للخليفة ليكون صاحب السلطان أي رعاية الشئون وفق أحكام الإسلام، لذلك كان من الطبيعي أن يكون الخروج عن السلطان خروجا عن الجماعة.

 

وأيضا، فإنه لا معنى للخروج على الجماعة أن يكون خروج الأبدان، وإنما الخروج على القيم والمفاهيم التي لدى الجماعة.

وفي الحديث المرفوع: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ r، قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أميره شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ r، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ» حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك

 

 


[1] الدرر السنية

[2] الرسالة بتحقيق أحمد شاكر ص 474

 


 

لمتابعة باقي حلقات السلسلة

 

اضغط هنا

 

Cover

 

 

 

 

 

Art_The_term_of_Ahlu_Sunnah_wal_Jamaah_4_AR_OK.pdf