مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة الخامسة عشرة
الفرقة لغة
الفَرْقُ: خلاف الجمع، فَرَقه يَفْرُقُه فَرْقاً وفَرَّقه، وقيل: فَرَقَ للصلاح فَرْقاً، وفَرَّق للإِفساد تَفْريقاً، والتَّفَرّقُ والافْتِراقُ سواء، ومنهم من يجعل التَّفَرّق للأَبدان والافْتِراقَ في الكلام؛ يقال فَرَقْت بين الكلامين فافْترقَا، وفَرَّقْتُ بين الرجلين فَتَفَرّقا. وفَرَق بين القوم يَفْرُق ويَفْرِق.
وفي التنزيل: فافْرُقْ بيننا وبين القوم الفاسقين؛ وتَفَرَّق القوم تَفَرُّقاً وتَفْرِيقاً؛ الأَخيرة عن اللحياني. الجوهري: فَرَقْتُ بين الشيئين أَفْرُق فَرْقاً وفُرْقاناً وفَرَّقْتُ الشيءَ تَفْريقاً وتَفْرِقةً فانْفَرقَ وافْتَرَقَ وتَفَرَّق، والفُرْقة مصدر الافْتِرَاقِ. قال الأَزهري: الفُرْقة اسم يوضع موضع المصدر الحقيقي من الافْتِرَاقِ.
والفِرْقُ والفِرْقةُ والفَرِيقُ: الطائفة من الشيء المُتَفَرِّق. والفِرْقةُ طائفة من الناس، والفَرِيقُ أَكثر منه[1].
وفي معجم مقاييس اللغة: الفاء والراء والقاف أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييز وتزييلٍ بين شيئين.[2]
الإسلام هو الأصل والافتراق إما ممدوح أو مذموم
يقول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 16- 18].
يقول الله عز وجل: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [ آل عمران: 105].
﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [ الروم: 31-32]
وعلى هذا الأساس، فإن الأصل هو الإسلام، جاء بالبينات والهدى، وفصله الله على علم، فإن جرى الاختلاف فيه نشأت الفرق، هكذا فقط تنشأ الفرق، فالفرق لا تتمايز عن بعضها البعض، وإلا لم يكن ثمة مرجعية تعرف منها الصواب من الخطأ، وإنما تتمايز عن الأصل بمناهج تتعلق بموضوعات منه، مثل مناهج في دراسة العقيدة والآراء المتعلقة بها، أو مناهج في التعامل مع الأحاديث والروايات، فإما أن يكون هذا التمايز في الأصل الذي قام عليه الإسلام أي الاعتقاد، وإما أن يكون التمايز في الفروعيات.
فأما التمايز في العقيدة فمذموم، وذلك أن الاعتقاد لا بد أن يقوم على القطع، ولا شيء غير القطع.
وما كان حاله أنه قائم على القطع فلا مجال للاختلاف فيه، ولا التمايز عنه، وإما أن يكون في الفروعيات، وهو الاختلاف المحمود، طالما التزم بأصول الاجتهاد وانتفى عنه اتباع الأهواء،
أما الاختلاف في العقائد، فإشكالية ينبغي حلها، ومثل هذا الاختلاف إما أن يكون خلافا في قطعيات، وهنا إما إسلام وإما كفر، كذلك الخلاف الذي بين المسلمين وبين الدروز أو الإسماعيلية، أو القرامطة أو الحشاشين، أو النصيرية، أو البهائية أو البابية أو الأحمدية القاديانية، فهنا الاختلاف دخل في دائرة اتخاذ أنبياء غير الرسول r، فمثل هذا الخلاف تخرج فيه تلك الفرق من الإسلام، وكما تلاحظ، فإن التمايز لا بد أن يكون عن الإسلام حتى تكون هناك مرجعية يقاس عليها الصواب أو الخطأ، أي أن المقياس هو: المحجة البيضاء التي تركنا عليها الرسول r.
وهناك اختلاف في العقائد، أخذ منحى آخر، وهو الإيمان بأصول العقائد، كالإيمان بالله وبالرسول r، والملائكة والكتب واليوم الآخر والجنة والنار، وما كان على هذه الشاكلة من القطعيات، ولكن تلك الفرق أضافت إلى “عقائدها” ما لا يصح أن يعتبر مثله من العقائد، من ذلك: أن الله تعالى أمرنا أن نؤمن أنه رؤوف رحيم غفور سميع بصير، فهذه من القطعيات، ثم لما حاولت تلك الفرق “فهم” هذه الصفات، وقاستها على المشاهد من صفات الحاضر، أي الإنسان، دخلت في دائرة خطأ في التفكير، وأنتجت أفكارا معينة، لا مجال للخوض فيها هنا، إذ ليس من السهولة جمع تلك الأفكار في بوتقة واحدة أو حل النزاعات التي جرت عبر قرون في سطور قليلة، إلا أنه يهمنا أن نفهم أن العقيدة يجب أن تكون واحدة لا تتعدد، وهي قطعية، وأن فرقا كثيرة أدخلت فيها ما لم يطلب الشارع بحثه، وأن هذا البحث على غير منهج السنة في البحث. ومن المهم أن نفهم أن أمورا معينة إن فعلها المسلم صار مسلما، وإن فعلها المؤمن صار مؤمنا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
[1] لسان العرب
[2] معجم مقاييس اللغة
لمتابعة باقي حلقات السلسلة