مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة السادسة عشرة
فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟
فقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق، دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين، وأمر المسلمين أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164] حتى يتوصلوا إلى حقيقة ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض﴾، فتطمئن قلوبهم إلى الإيمان بوجود الله سبحانه خالق الكون، ومن ثم فإن الحق سبحانه وتعالى قد جعل القرآن الكريم معجزة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، ليدلل بها على صدق نبوته، وآمن المسلمون بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد rنبيا ورسولا.
والعقيدة الإسلامية عقيدة عقلية تتفق مع الفطرة، سهلة، يستطيع المسلم الوصول إلى حقائقها من غير كبير عناء، فتستقر بين جوانحه لتشكل له قيادة فكرية تقوده في الحياة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الروم: 24].
العقيدة تخلو من الظن
إن الناظر المتمعن في العقيدة الإسلامية يرى أن القرآن الكريم حرص أشد الحرص على تنقيتها من الظن، ومن الخرص والشك، ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله إِن يَتَّبعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 116]، ﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ﴾ 148الأنعام ﴿أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ [يونس: 66]
وطلب القرآن الكريم من خصومه أن يقيموا على عقائدهم الحجج والبراهين وإلا فهم كاذبون، ﴿أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ الله قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [النمل: 64] ﴿وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [القصص: 75]؛
وأقام القرآن الكريم على كل فكرة من أفكار الاعتقاد ما يجعل المسلم مطمئنا إلى أنه قد وصل إلى الحق المبين، ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 97] ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام: 98] ﴿وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنعام: 126].
الأفكار الأساسية في الاعتقاد
لذلك فإن السمة الأساسية لكل فكرة تنتمي إلى منظومة العقيدة الإسلامية هي أنه لا بد أن يتحقق فيها القطع واليقين، وهنا تنقسم الأفكار إلى أفكار أساسية في الاعتقاد، تلك التي أمر رب العزة سبحانه أن يؤمن بها الرسول والذين آمنوا معه، وقرنها بعضها مع بعض في أغلب المواضع من القرآن الكريم، وجمعها مع بعضها أيضا الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل عليه السلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾ [النساء: 136]، ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285].
عَنْ عَامِرٍ أَوْ أَبِي عَامِرٍ أَوْ أَبِي مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ rبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي غَيْرِ صُورَتِهِ يَحْسِبُهُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ وَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ الله مَا الإسلام؟ فَقَالَ: أَنْ تُسْلِمَ وَجْهَكَ لِلَّهِ وَأَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ. قَالَ: فَإِذَا فَعَلتُ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: مَا الإيمان؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَهُوَ يَرَاكَ قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ»، الحديث (أحمد مسند الشاميين).
فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى تمثل القضايا الأساسية في الاعتقاد، والخط الأحمر الفاصل بين الإيمان والكفر، وهي الخط الأخضر الذي ينقل الإنسان من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام.
على أن أفكارا أخرى قطعية الثبوت والدلالة قد وردت في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة، تدخل أيضا في بنية العقيدة، لا بد من الإيمان بها حتى يصير الإنسان مؤمنا، وهي الإيمان بالجنة والنار والحوض، وصفات المولى سبحانه (أي الإيمان بأن الله عليم وأن الله رحيم وما إلى ذلك) وغير ذلك من قضايا الاعتقاد الثابتة بالقطع في الشرع.
فهذان النوعان من الأفكار هما فقط ما يجب أن يدخل في بنية عقيدة المسلم، الأفكار الأساسية الستة، وما ثبت بالقطع في الكتاب والسنة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
لمتابعة باقي حلقات السلسلة