صانع الإرهاب يتعهد باستئصاله!
الخبر:
تعهد دونالد ترامب في خطاب تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة باستئصال (الإرهاب الإسلامي الراديكالي).
التعليق:
لقد ميز ترامب حملته الانتخابية بشن هجوم مستمر على الإسلام وما يدعيه من مسؤولية الإسلام عن (الإرهاب) العالمي. وعلق في أكثر من مناسبة على إشاعة الإسلام خطاب الكراهية للغرب. وفاز ترامب بأصوات كافية لإيصاله لسدة الرئاسة مع كل ما تضمنته حملته الانتخابية من تصريحات مشحونة ضد المسلمين والإسلام والسود واللاتينيين والنساء.
أما حقيقة ما يجول في ذهن ترامب ومستشاريه فهو نفس الخطر الذي نبه إليه المحافظون الجدد زمن جورج بوش والمتمثل بعودة الإسلام إلى الحكم وإعادة نظام الخلافة للعالم. فقد حذر جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد من خطر تشكيل دولة إسلامية تمتد من إندونيسيا إلى المغرب، وحذروا صراحة من عودة الخلافة الإسلامية، وانطلقت أبواقهم ووسائل إعلامهم تحذر من عودة المارد الجبار في عباءة الخلافة الإسلامية.
ولما جاء أوباما وحزبه الديمقراطي والذي يتميز بالخداع الخفي، عمد إلى إحباط مشروع الخلافة الإسلامية عن طريق تشجيع وتيسير ظهور أشكال للحكم الإسلامي سواء المعتدل منه بنظرهم كالذي ظهر في مصر وتونس أو الراديكالي بنظرهم كالذي حصل من تنظيم الدولة في العراق والشام، وما ذلك إلا لإقناع المسلمين أولا بأن مشروع قيام دولة خلافة إسلامية تمتد من إندونيسيا إلى المغرب عبارة عن حلم محال التطبيق، وبالتالي يعزف المسلمون عن المضي قدما في هذا المشروع.
وقد انتهى حكم أوباما وازداد المسلمون حبا لخلافتهم، وغدا لهم مشروع إقامة الخلافة أقرب من أي وقت مضى، ولم تنطل عليهم خدائع أوباما وحلفائه من العرب والعجم وغيرهم. وظهرت أصوات في أمريكا وأوروبا وحتى روسيا تؤكد على أن المسلمين لن تهدأ لهم عاصفة، ولن تخمد لهم نار، ولن تعدم لهم حركة حتى يقيموا للإسلام صرحا تعجز عن تحديه جيوش العالم مهما أوتيت من قوة وجبروت. وأنهم لن يقبلوا بالمدنية بديلا عن الدولة الإسلامية، وبالعلمانية بديلا عن شرع الله، كيف لا والقرآن لا ينفك يذكرهم بقول الله تعالى ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
وها هو ترامب يتسلم من أوباما سم الأفعى، ولسان العقرب ويعلن أن قضية أمريكا مع الإسلام لم تنته. فلم يحسمها بوش في حربه في أفغانستان وباكستان والعراق. ولم يحسمها أوباما في ثوراته المضادة اللعينة في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، وفي خدائعه وتضليله في ما سمي إسلاما مدنيا معتدلا أو إسلاما إرهابيا متطرفا.
فتعهد ترامب بالاستمرار في الحرب على الإسلام هو بحد ذاته إعلان صريح أن المعركة لم تحسم ضد الإسلام والمسلمين، وذلك فضل من الله تعالى ومنة. فليعلم الذين أصابهم من الخوف والهول ما أصابهم، حتى بلغت القلوب منهم الحناجر، ليعلموا أن أمريكا وحلفاءها ومنذ أن اتخذوا من الإسلام عدوا لهم وناصبوه العداء منذ عام 1990 حين انهار الاتحاد السوفياتي لم يصلوا إلى مبتغاهم. بل إن قوة الإسلام وتمكنه من النفوس، وقوة دفعه للمخلصين من أبنائه باتجاه تتويج الإسلام سيدا للعالم لا زالت في تقدم واضطراد.
أما حديث ترامب عن (الإرهاب) والكراهية، فالكل بات يعلم دون أدنى شك أن (الإرهاب) من حيث فكرته وتكوينه واستمراره وانتشاره ليس إلا عملا استخباراتيا من إنتاج الـ CIA وكالة الاستخبارات الأمريكية بتميز، وتابعتها وكالة MI6 الاستخبارات البريطانية، وكذلك وكالة الاستخبارات الروسية. فأمريكا وحلفاؤها ومنافسوها على حد سواء هم الذين يمولون (الإرهاب)، وهم من يضعون خططه، وهم من يستأجرون أربابه، وهم من يصطنعون أعماله. ثم هم من يسمونه ويصفونه بأقذع الأوصاف ويلصقونه بمن يشاؤون. فلم يعد أمر (الإرهاب) وشأنه خافيا على كل ذي بصيرة ولب، بل أصبح مكشوفا لعوام الناس، ومع ذلك لا يخجل ترامب ومن قبله أوباما وبوش وأذنابهم من العملاء الذين اتبعوهم بذل ممن تولوا أمر هذه الأمة في لحظة غفلة وحلكة ظلام، لا يخجلون من الاستمرار في الادعاء أنهم يحاربون (الإرهاب).
أما حديث ترامب عن الكراهية، فكان أولى به أن يقرأ الكتاب الذي ظهر باسمه ولا أظنه كتبه هو، حيث تفوح منه رائحة الكراهية لكل أحد حتى أصدقائه. فهو يقول “عليك أن تعلم أن ألد أعدائك هم أصدقاؤك”. ويقول: “لا تثق بأحد حتى أقرب المقربين إليك كزوجتك”. ويقول: “لا بد أن تتسلح بالانتقام من كل من آذاك وإياك أن تتسامح مع أحد، ولكن إياك من الانتقام إلا إذا قدرت على خصمك”. فهل لمثل هذا الصنف من الكائنات أن يصف الإسلام بالكراهية؟ والإسلام يشيع بين الناس المثل العليا والتي يعتبرها ترامب ضعفا وضغثا؟ هل يحق لهذا الكائن أن يقف ولو قزما أمام عظمة الإسلام الذي نشر العدل بين الناس حتى غدا عدو الأمس جنودا في جيش الإسلام العظيم؟
نعم، (الإرهاب) وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وتدمير حلب وإدلب وبغداد وغزة وغيرها من المدن كلها جرائم شنيعة يجب وقفها ووأدها وحماية الناس منها. وتشريد الناس من ديارهم في ميانمار وسوريا وكردستان وأفغانستان لا بد أن يوضع له حد، فلا يروع ساكن في سكنه، ولا يخرج إنسان من بيته ولا يحرم طفل من أمه، ولا شيخ من ولده، ولا إنسان من قوته. نعم هذه ليست مجرد شعارات بل هي ضرورات بشرية وهي فرائض شرعية لا بد من القيام بها وعدم تركها وسائل لاستغلال الشعوب واستعمارها وقهرها وإخضاعها. وليعلم ترامب وغيره من أتباعه ومن ضبع بكلامه أنه ليس هناك في الوجود قوة ولا مبدأ يستطيع اجتثاث (الإرهاب) من جذوره إلا قوة الإسلام ودولة الإسلام ومبدأ الإسلام. فالله تعالى يقول في محكم كتابه الذي يؤمن به قرابة مليارين من المسلمين ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ويقول: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ﴾.
وفي معرض الحديث عن الذين يتسلمون زمام أمور الناس ويتمكنون من الحكم والقيام على شؤون الناس يبين الله تعالى أن وظيفة هؤلاء ليست استغلال الشعوب ونهب ثرواتهم وقهرهم وتشريدهم، بل هي إقامة أحكام الله، وإعطاء الناس من أموال الزكاة التي تطهر نفس المعطي وترفع من شأن المستفيد ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، والله غالب على أمره ولكن ترامب وحزبه لا يعلمون…
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد ملكاوي