ترامب بيدق بيد المؤسسة السياسية العلمانية الرأسمالية الأمريكية
(مترجم)
الخبر:
عندما تلقى الرئيس ترامب اتصالًا هاتفيًا من زعيم تايوان في كانون الأول/ديسمبر 2016، أكد خلاله على أن الولايات المتحدة ربما لم تعد ملتزمة بسياسة “الصين الواحدة”، وقد أشاد المدافعون عنه بأنه موقف لاستعراض القوة؛ وهي أحدث قضية حساسة أعرب من خلالها ترامب عن استعداده لتحدي عقود من الأعراف الدبلوماسية.
ولكن مساء يوم الخميس، التزم السيد ترامب مرة أخرى بالخطوط والقواعد السياسية. ففي مكالمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، تعهد بالالتزام بسياسة الصين الواحدة، وهي سياسة قديمة وقد مضى عليها 44 عامًا حيث اعترفت الولايات المتحدة بموجبها بحكومة صينية واحدة في بكين وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان.
أما فيما يتعلق بكيان يهود، وبعد أن قدم نفسه كمدافع مخلص لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو والذي سيقاوم حملة الضغط ضد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، حذر ترامب يهود هذا الأسبوع بأنه لا يعتقد أن “المضي قدمًا في هذه المستوطنات أمر جيد للسلام”.
وفيما يتعلق بإيران، وبعد أن هدد ترامب وهو في مرحلة السباق الرئاسي بتمزيق الاتفاق النووي الذي عقده الرئيس باراك أوباما، فقد قال مستشارو الرئيس الجديد لمسؤول كبير في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن الولايات المتحدة ستلتزم بالاتفاق بشكل كامل.
وفي الوقت الذي بدأ فيه ترامب بتشكيل سياسته الخارجية، فقد برهن على أن سياساته لن تكون جذرية انقلابية كما أوحت بذلك تصريحاته خلال حملته الانتخابية أو مكالماته الهاتفية المبكرة الصاخبة مع القادة الأجانب. وفي يوم الجمعة، بينما كان يرحب برئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أثناء زيارته إلى البيت الأبيض، وصف ترامب تحالف أمريكا مع اليابان بأنه “حجر الزاوية للسلام والاستقرار”. فهذه الكلمات التي اجتازت اختبار الزمن لا تتوافق مع تهديداته خلال الحملة بتفكيك هذه الشراكة.
وقد علق على ذلك مارتن إنديك، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة بروكينغز، بقوله: “كل رئيس يكتشف أن الأمور تبدو مختلفة عند تسلم المهام في المكتب البيضاوي عمّا كانت عليه في الحملة الانتخابية”، وقال أيضًا: “إن إظهار الرئيس ترامب مرونة بشأن بعض قضايا السياسة الخارجية الرئيسية يشير إلى أنه أقل اندفاعًا من ناحية فكرية بالنسبة لما كانت تتضمنه مواقفه السابقة”. [المصدر: نيويورك تايمز]
التعليق:
إن أمريكا دولة مبدئية تسير وفق فكر ثابت وطريقة يحددها المبدأ الرأسمالي العلماني. وقد تأثرت المؤسسات السياسية والتنفيذية والفكرية والإدارية بعمق بهذا الفكر وهذه الطريقة. وعلاوة على ذلك، فقد وضعت أمريكا كقوة عظيمة، بل القوة العظمى بواقعها الحالي، وضعت خططًا تفصيلية لسياستها الخارجية، وقد توصلت إليها من خلال تطبيق فكرها وطريقتها على الواقع في كل بلد ومنطقة من العالم، وكذلك فيما يتعلق بالنظام العالمي بشكل عام. وتوجد مدارس الفكر في العقلية الأمريكية، ولكن هذه المدارس جميعها تتبع نفس الفكر الرأسمالي العلماني وطريقته وهي تفكر ضمن إطاره، وبالتالي فهي غير قادرة بشكل عام على التحرك خارج القوالب الفكرية الرأسمالية والخطط المعدة مسبقًا. وأقصى ما يمكن أن تذهب إليه هو الاختلاف في الوسائل والأساليب المستخدمة من أجل تنفيذ هذه الخطط. لذلك فإن بعض الإدارات تستخدم سياسة خارجية متعددة الأقطاب وبعضها يستخدم سياسة خارجية أحادية. وبعضها يلجأ إلى التدخل من أجل شن الحروب العسكرية بينما البعض الآخر يستخدم السياسات الدفاعية من أجل شن الحروب الاقتصادية. ولكن على الرغم من هذه الاختلافات، فقد استمر الإطار العام للسياسة الخارجية الأمريكية في تحقيق نفس الأهداف منذ أن برزت أمريكا كقوة عظمى في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد جاء دونالد ترامب ليتسلم رئاسة الولايات المتحدة بلا أي خبرة سابقة في أي منصب سياسي أو حتى أية خبرة سياسية بشكل عام. وقد كان صعوده نتيجة لسلسلة من الأخطاء ارتكبتها المؤسسات السياسية الديمقراطية والجمهورية وكذلك زيادة تأثير “اليمين المتطرف” في السياسة الأمريكية كرد فعل على الصحوة الإسلامية وفشل النظام الرأسمالي في العديد من القضايا والذي يتضح من خلال الهزائم العسكرية في البلاد الإسلامية والأزمات المالية والاقتصادية على الصعيد الداخلي. ومع ذلك، فإن النظام الأمريكي قادر تمامًا حتى على استيعاب دونالد ترامب وتسخيره لتعزيز أهدافه وغاياته.
وأما القضايا التي يطرحها ترامب والتي تعتبر ذات أهمية بالنسبة للمؤسسة السياسية الأمريكية، فسيتم استغلالها لأقصى حد مثل موقفه المعادي للإسلام بقوة، بينما سيتم إقصاء القضايا الأخرى مثل الأخطاء التي وقع فيها مع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة المؤثرين في أوروبا، واليابان، وأستراليا، والمكسيك؛ وأما طباعه الخشنة فسيتم صقلها وإنضاجها في إعادة التوازن بين الصين وروسيا، وإيران والسعودية. ولذلك، فإنه يجب على الراغبين في فهم السياسة الأمريكية التركيز بشكل أقل على شخصية ترامب الزئبقية، والتركيز بدلًا من ذلك على دراسة المبدأ الذي تقوم عليه الحضارة الغربية. وهذا المبدأ يحاول حشد المؤيدين من خلال شعارات إلحادية تتعلق بالحرية والديمقراطية ولكن في الواقع تحمل في طياتها فساد الاستغلال التجاري وشر الاستعمار. في الواقع، إن الاستغلال التجاري والاستعمار يسبق الأيديولوجية الرأسمالية، والتي قد بدأ بها ملوك النصارى في أوروبا بعد فشل الحروب الصليبية، وبعد أن تذوقوا ثروات العالم وكنوزه. وقد شجع هؤلاء الملوك المفكرين الإلحاديين ورعوهم كوسيلة ضد سيطرة الكنيسة، ولكن عندما بدأ الفكر المادي الإلحادي بكسب تأييد الثورات السياسية، صارت المؤسسات الغربية التي أخذ نفوذها بالتأرجح تساوم بسهولة على نصرانيتها، فأعلنت عن تبنيها للعلمانية واعتمدت شعارات الحرية والديمقراطية من معارضيها الثوريين الذين يشكلون خطرًا عليها. فالولاء حقيقي لهذه المؤسسات ليس للدين ولا للإلحاد ولكن فقط إلى جشع زيادة ثرواتها ونفوذها بأي وسيلة ممكنة. والأفكار السياسية كالحرية والديمقراطية، والتي جرى مزجها بالنظرة النفعية العلمانية، هي التي ساعدت على تماسك الفكر الغربي والذي مكن الدول الغربية من الهيمنة على العالم بأسره، ودفعتهم للعودة إلى بلاد الحروب الصليبية ولكن ليس كقادة للنصرانية وإنما كمستعمرين رأسماليين؛ وأكثر من ذلك، فقد صنعوا طبقات سياسية عميلة في بلاد المسلمين تأتمر بأمر أسيادهم الغربيين لاضطهاد الأمة الإسلامية واستغلال ثرواتها.
ولا ينبغي أن يقع المسلمون في خطأ اعتبار أن دونالد ترامب هو العدو فقط. فهو بيدق بيد المؤسسة السياسية التي يقودها المبدأ الرأسمالي العلماني الغربي. وهذا المبدأ هو الذي لا بد من هزيمته. فهو لا يمد الغرب بالقوة فقط، وإنما قد تغلغل أيضًا في الطبقة الحاكمة الحالية في البلاد الإسلامية ومجتمعاتها بشكل عام. فالمبدأ الرأسمالي العلماني هو الذي أبعد الإسلام عن واقع الحياة؛ وعودة حياة المسلمين الحقيقية ممكنة فقط من خلال تعرية هذا المبدأ الفاسد البغيض وعودة الإسلام ليكون محور حياة المسلمين من خلال إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فائق نجاح