Take a fresh look at your lifestyle.

العقدة الكبرى والعقد الصغرى – الحلقة الحادية والعشرون

 

العقدة الكبرى والعقد الصغرى

 

الحلقة الحادية والعشرون

 

 

ويتوهّم كثير من الناس بظنهم أن ما يحصلونه من رزق إنما هو بتعبهم وعملهم، وتفكيرهم وتخطيطهم وحسن تدبيرهم، حتى قال قائلهم: إنما أوتيته على علم عندي، كما قال قارون، فخسف الله به وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين، حتى إن الذين تمنّوا مكانه ممن يريدون الحياة الدنيا قالوا: ويكأنَّ اللهَ يبسط الرزقَ لمن يشاءُ ويقدر، أيقنوا بعد خسف قارون بداره وماله أن الله وحده يبسط الرزق لمن يشاء من الناس، ويضيق على من يشاء من الناس، لحكمة بليغة يعلمها سبحانه.

 

فلا بد من اليقين أن الرازق الوحيد هو الله تعالى، وأنه لا أحد يملك لأحد رزقاً، وسبب الرزق الوحيد هو إرادة الله وتقديره، وليس العمل أو الإرث، وليس التفكير ولا التخطيط ولا حسن التدبير، وما يُشاهَد من أحوال يأتي فيها الرزق لا تتعدى كونَها أحوالاً يرزق الله سبحانه وتعالى الناس عن طريقها، وليست هي سبب الرزق، فلا يعني أن من فقد عمله فقد رزقه، بل إنه سبحانه وتعالى هو الرزاق لعباده، يرزقهم بالكيفية التي يريدها ويهيئها لهم.

 

وكذلك فإن الله تعالى لم يربط الرزق بأي سبب غير إرادته وتقديره، لم يربطه بإيمان أو كفر، ولا بتقوى أو فجور، ولا بجد واجتهاد أو كسل، ولا بغير ذلك، يقول الحق سبحانه وتعالى: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا، كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا، انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فإن الله سبحانه سيؤتيه ما قدّره له منها، وكذلك من أراد الآخرة وسعى لها سعيها، سيؤتيه ما قدّره له منها، والله تعالى يمد هؤلاء وهؤلاء من عطائه، والله تعالى فضل بعض الناس على بعض، ولكن التفضيل الأكبر إنما هو في الآخرة.

 

ولكن الله تعالى وعدَ أهل طاعته وتقواه أن ييسّرَ لهم أمورَ حياتهم، قال سبحانه وتعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ  مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، فالمؤمن التقي يهيء له الله سبحانه وتعالى المخرجَ من كلّ ضيق، والفرجَ من كل شدةٍ، ويجعلُ له رزقَه من حيثُ لا يحتسبُ، أي من حيثُ لا يتوقعُ أو ينتظرُ، بل الله تعالى يمنّ عليه بالفرجِ من حيثُ يريدُ اللهُ وحدَه، وليس من حيثُ يريدُ المؤمنُ التقيُّ نفسه.

 

فالأصل في من ارتضى الحل الصحيح للعقدة الكبرى، ألا يقلقَ على رزقه، وألاّ يشكّلَ الخوف على الرزق عندَه عقدةً تُقِضُّ مضجعَه، وتؤرِّقُ ليله ونهارَه، بل عليه أن يقبلَ ويرضى بما قسمَ له، فبالقناعة بالمقسوم تنحلُّ عقدة الخوفِ على الرزقِ فيرضى الإنسانُ بما قُسِمَ له، وباليقين بأن اللهَ تعالى هو الرزاق تنحلُّ عقدةُ الخوفِ على الرزقِ في المستقبلِ، فهو وإن كان لا يعلمُ ماذا سيرزقُ مستقبلاً لكن الله تعالى واجبَ الوجود يعلمُ ماذا سيرزق كل واحدٍ من عبيدِهِ، لأنه تعالى جعلَ هذا الأمرَ من الغيب، الذي استأثر به لنفسه، قال سبحانه وتعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا).

 

والمؤمن التقيُّ يوقنُ أن الرزقَ الحقيقيَّ؛ الذي يستحقُّ أن يضحّيَ من أجلِه بكلِّ شيء هو رزق الآخرة، وليس رزقَ الدنيا، (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

 

ويقع كثير من الناس في أخطاء أخرى متعلقة بالرزق، كظن بعضهم أن الرزق هو المال فقط، أو أن الرزق هو ما يكسبه بعرقه، أو أنه يطلب رزقاً يحقق له مستوى معيناً من العيش، وكأنه يشترط على الله تعالى كيفية رزقه ومقداره. حقاً إن الإنسان لا يدري ماذا يريد!! بل إن الإسلام قد أجاب الناس عن هذه الأسئلة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِيْ جَسَدِهِ، آمِناً فِيْ سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوْتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيْرِهَا) فماذا يحتاجُ الإنسانَ أكثرَ من الأمنِ والعافيةِ في بدنِه، وقوتِ يومِهِ؟ وورد عنه، عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلمٌ عن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: ألهاكم التكاثر. قال: “يقول ابن آدم: مالي. مالي. (قال) وهل لك، يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟)، فمهما امتلك الإنسان من المال، أو من متاع الدنيا، فإنه ليس له منه إلا ثلاثة أشياء: ما يأكله، وما يلبسه، وما يتصدق به. أما ما عدا ذلك مما يبقى معه فإنه ليس له.

 

وبناء على هذا الحل، ينطلق الإنسان في حياته لا يخشى على رزقه أحداً غيرَ الله، فيجمع أمرَه ويحزمَه ليجعلَ كل حياته بكلياتها وجزئياتها خالصةً للهِ تعالى، يعمل ما أمرَهُ الله تعالى به، وينتهي عما نهاه، مهما كلّفهُ هذا الأمر، فإن أجلَه بيد اللهِ، ولن يموتَ قبلَ أجلِهِ، ورزقَهُ بيدِ الله وحدَهُ، فلا يملك أحدٌ أن يُنقِصَهُ أو يقطعَهُ، فيمضي في حياته آمناً مطمئناً راضياً قانعاً.

 

 

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير

أبو محمد – خليفة محمد – الأردن

 


 

لمتابعة باقي حلقات السلسلة

 

اضغط هنا

 

OQdaKubra

 

 

 

al3uqdato-lkobraa-wal3oqad-assyghraa-21.pdf