Take a fresh look at your lifestyle.

دور العلم والغزو التبشيري في هدم الدولة الإسلامية – الحلقة الرابعة

 

دور العلم والغزو التبشيري في هدم الدولة الإسلامية

 

الحلقة الرابعة

 

تقصُّد نقاط الضعف

 

 

عمد الغرب عن طريق إرسالياته التبشيرية إلى البحث عن نقاط الضعف والسعي لتعميق النعرات العنصرية والمذهبية والطائفية لإذكاء الخلافات وإثارة المشاكل وإيجاد الذرائع التي تبرر تدخلاته الخارجية في شؤون الدولة الداخلية، كما حدث أثناء اندلاع الفتنة الطائفية في لبنان والشام أعوام 1840م، 1860م، 1958م، 1975م. إذ ركّز المستشرقون والمبشرون جهودهم على اختلاق ما يسمى بمشكلة الأقليات وتكرست حماية الدول الأوروبية لتلك الأقليات ولا سيما النصرانية منها بموجب شروط “الامتيازات الأجنبية” التي بدأتها فرنسا منذ القرن السادس عشر بحق النصارى الأوروبيين في الدولة العثمانية والتي ما لبثت أن اتسعت تدريجياً حتى أصبحت الاتفاقيات تشمل فعلياً جميع الكاثوليك ومن ضمنهم موارنة لبنان التابعون للبابوية، كما اهتمت بريطانيا بالنصارى عموماً وعقدت صداقات حميمة مع الدروز في لبنان وسوريا واليهود في فلسطين عن طريق افتتاحها مدارس ومعاهد تعمل على تعليم ونشر أفكارها بين تلك الطوائف.

 

ولقد كان من الملاحظ آنذاك أن معظم أفراد الأقليات سارعوا للانفتاح على الغرب وتبني عاداته واستيعاب ثقافته والتبشير بأفكاره وإتقان لغاته بل وتمثيل وكالاته ومصالحه في أحيان كثيرة.

 

وكان من جراء ذلك أن اتخذت أعمال التبشير مظهراً آخر غير تأسيس المدارس ودور التبشير والمطابع والمستوصفات؛ إذ بدأوا عملهم السياسي وخاصة في بيروت واسطنبول المركزين الرئيسين اللذين اتخذهما أعداء الإسلام قاعدة لهم لضرب الدولة الإسلامية من خلال تأسيس الجمعيات.

 

ففي بيروت وفي سنة 1847 أسست الإرسالية الأمريكية وبرعايتها جمعية علمية سمتها “جمعية الفنون والعلوم” من أعضائها “ناصيف اليازجي” و”بطرس البستاني” من نصارى لبنان ومن أخطر عملاء الإنجليز، إلى جانب “إيلي سميث” و”كورنيلوس فان ديك” من الأمريكان، ولم ينتسب إليها خلال عامين سوى خمسين عضواً عاملاً من جميع بلاد الشام كلهم من النصارى، وكانت أهداف هذه الجمعية في أول الأمر غامضة، ولكنها كانت تظهر بمظهر نشر العلوم بين الكبار وفي المدارس بين الصغار وذلك لتثقيفهم الثقافة الغربية، موجهين بتوجيه خاص وفق الخطة التبشيرية، ولكنها لم تثمر وماتت بعد خمس سنوات من تأسيسها دون أن تترك إلا أثراً واحداً وهو الرغبة عند المبشرين في تأسيس الجمعيات.

 

وقد بقي الأمر على هذه الحال من إخفاقات متتالية لعديد من الجمعيات حتى عام 1857م، حيث تشكلت جمعية على أسلوب جديد وذلك بظهورها بالمظهر العربي، إذ كان مؤسسوها كلهم من العرب تحت اسم “الجمعية العلمية السورية” ومن أبرز أعضائها “محمد أرسلان” من الدروز و”حسين بَيهم” من المسلمين و”إبراهيم اليازجي” و”ابن بطرس البستاني” من النصارى، ومن برنامجها التوفيق بين الطوائف وبعث القومية العربية في النفوس بالإضافة إلى غايتها المخفية والتي كانت استعمارية تبشيرية باسم العلم والتي كانت تتجلى ببعث الثقافة الغربية والحضارة الغربية بين الناس.

 

وفي سنة 1875م تأسست في بيروت “الجمعية السرية” كحزب سياسي قام على أساس فكرة القومية العربية، وتُعتبر أول حزب سياسي قام في البلاد الإسلامية دعت للعروبة وللقومية، وأثارت العداء للدولة العثمانية والتي أسمتها الدولة “التركية”، وعملت على فصل الدين عن الدولة، وتحويل الولاء عن العقيدة الإسلامية بين المسلمين، واتهام تركيا بأنها اغتصبت الخلافة من العرب وأنها فرّطت في الدين الإسلامي، مع أن القائمين بهذه الجمعية السرية والمتولين أمرها نصارى يحقدون على الإسلام!!

 

والذي يجزم به من تَتَبع تاريخ هذه الحركات والجمعيات أن الغربيين هم الذين أنشأوها وأنهم كانوا يراقبونها ويشرفون عليها ويهتمون بها. فقد كانت من نتائج أعمال الدول الأوروبية في بيروت تخريب وتغريب الأفكار والنفوس بين مختلف قطاعات المجتمع من النساء إلى الشباب، إلى الطلاب وحتى الكهول (سنة 1907م ظهرت في بلاد الشام جمعية تبشيرية خاصة بالكهول).

 

ولقد أثبتت الوقائع أن معظم الكوارث التي أصيبت بها بلدان العالم الإسلامي كانت بناء على دراسة وتخطيط المبشرين وتلامذة الإرساليات التبشيرية. أما دور مركز اسطنبول في العمل على ضرب الخلافة العثمانية فسنتطرق إليه إن شاء الله في الحلقة القادمة من سلسلة دور العلم والغزو التبشيري في إزالة الإسلام من العلاقات والمعاملات وطرق العيش، وفي هدم الدولة الإسلامية.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

 

 

2017_02_19_Art_The_role_of_the_missionary_invasion_in_the_demolition_of_the_Khilafah_4_AR_OK.pdf