دور العلم والغزو التبشيري في هدم الدولة الإسلامية
الحلقة الخامسة
فرق تسد
قام الغربيون بوسائلهم الخفية بتشجيع الحركات الانفصالية عند المسلمين أنفسهم في داخل كيان الدولة بين الترك والعرب، فشجعوا الحركات القومية وساعدوا على قيام الأحزاب السياسية التركية والعربية كحزب تركيا الفتاة أو الاتحاد والترقي وكحزب الاستقلال العربي وحزب العهد… الخ
وكان من أهم أعمالهم وأفظعها إنشاء تلك الجمعية “الاتحاد والترقي” والتي تأسست في بادئ الأمر في باريس على يد شبان أتراك تشبعوا بالأفكار الفرنسية وأمعنوا في دراسة الثورة الفرنسية، وقد تأسست كجمعية سرية ثورية بزعامة “أحمد رضا بك”، وكان من الشخصيات عند الناس، وكانت فكرته نقل الحضارة الغربية إلى بلاده تركيا. وقد أسست هذه الجمعية لها فروعاً أخرى في برلين وسلانيك واسطنبول.
وكان مركز باريس منظماً تنظيماً دقيقاً، وكان برنامجه متطرفا، ووسائل الدعاية التي يعتمد عليها قوية ومتينة. وكانت لهم جريدة باسم “الأنباء” تُهرَّب إلى اسطنبول مع البريد الأوروبي، فيتلقفها جماعة من الأتراك يتعهدون توزيعها سراً، وكانوا يصدرون نشرات سياسية تُهرَّب بنفس الأسلوب. وقد لقيت دعما من المحفل الماسوني الإيطالي الأكبر في سالونيك وغيره من المحافل الماسونية التي كان أعضاؤها مندمجين بجمعية “الاتحاد والترقي” و”تركيا الفتاة”. وظلت كذلك حتى سنة 1908م حيث قامت بالانقلاب واستولت على الحكم، وظهرت قوتها، وأظهرت أوروبا رضاها عنها.
صارت هذه الجمعية تتحكم في الدولة كلها متمثلة في جماعة الحزب الحاكم وأنصاره الذين يرون أن الإسلام وحده غير صالح لهذا العصر، بل الصلاح كله في الأفكار الغربية والحضارة الغربية، ويرون المحافظة على القومية التركية من أهم أعمالهم، وصاروا يفتخرون بالوطنية إذ كانوا يرون تفضيل تركيا على باقي البلاد الإسلامية، وتفضيل التركي على سائر المسلمين.
وهكذا بدأ معول الهدم في جسم الدولة، إذ القومية هي أخطر رابطة تفصل بين الناس وتوجد بينهم العداوة والبغضاء والحروب. فبعد أن أوهموا أن هذه الجمعية عند نشأتها لجميع رعايا الدولة العثمانية لا فرق بين تركي وعربي وألباني وشركسي، إلا أنهم بعد استلامها الحكم حرموا العرب في هذه الجمعية من المراكز الحساسة فيها وحولوها إلى جمعية تركية. وبذلك أثاروا التعصب ضد العرب خاصة، وأتبعوا التمييز ضدهم في الجيش أيضاً وانتزعوا وزارة الأوقاف وسلموها لتركي وكذلك الداخلية والخارجية، كما أرسلوا عن تعمد ولاة أتراكاً للبلاد العربية ممن لا يعرفون اللغة العربية، فقد تنكروا للغة العربية دون أن يأبهوا لكونها لغة القرآن الكريم وجعلوا اللغة التركية هي اللغة الرسمية، وصاروا يُعلِّمون النحو والصرف باللغة التركية.
ومن جهة أخرى تغلغل الإنجليز والفرنسيون أيضا في صفوف العرب الذين أخذوا يحملون النعرة القومية، وفتحوا لهم خزائن بلادهم، ونشطت سفاراتهم في الاتصال بهم، وساهموا بعقد مؤتمر للشباب العرب بتاريخ 18 حزيران/يونيو سنة 1913م في باريس، فكان ذلك أول إعلان عن انحياز القوميين العرب إلى إنجلترا وفرنسا ضد دولتهم العثمانية.
قام رجال حزب الاتحاد والترقي بتأسيس جمعية “ترك أوجاغي أي العائلة التركية” كَردٍّ على هذا المؤتمر وجعلوا غايتها محو الإسلام، وبدأت حركة التتريك في مختلف الولايات العثمانية واستهدفت تعميم اللغة التركية عن طريق تشجيع نشر المؤلفات والمطبوعات لهذه اللغة، فأصدروا في العراق والشام فضلاً عن اسطنبول العديد من الصحف والمجلات التركية التي بلغ مجموعها تقريبا أربعين صحيفة بين عامي 1895م – 1907م.
وهكذا أثمرت أساليب إثارة النعرة القومية، والنزعة الوطنية، فتحول الولاء عن الإسلام وأصبح المقياس عند الذين يباشرون السلطان في الدولة هو القومية والوطنية، حتى الدعوة في سبيل توحيد صفوف الرعية من عرب أو ترك…
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى
2017_02_19_Art_The_role_of_the_missionary_invasion_in_the_demolition_of_the_Khilafah_5_AR_OK.pdf