Take a fresh look at your lifestyle.

العقدة الكبرى والعقد الصغرى – الحلقة الرابعة والعشرون

 

العقدة الكبرى والعقد الصغرى

 

الحلقة الرابعة والعشرون

 

 

تاسعاً: العقد المتعلقة بمفهوم الهداية والضلال

 

إن حياةَ الإنسانِ على قِصَرِها طويلة، طويلةٌ بطولِ وقتها، وتعدّده، وتعدّد حاجاتِ الإنسان خلال هذا الوقت، فلا يعدمُ الإنسانُ عملاً يقومُ به، أو حاجةً يشبعها، مع أن كل أعماله إشباعاتٌ إما لحاجات عضوية، وإما لمظاهر غريزية، مهما كانت الأعمالُ التي يقومُ بها، حتى لو كانت لهواً أو عبثاً، فهو يحقق ذاته في اللهو والعبث.

 

ونظراً لتكرار أفعالٍ معينة، وتكرار إشباعات معينةٍ، فإنه بحاجة إلى مقياسٍ واحدٍ يقيس عليه أعمالَه، وإلا وقع في اضطراب التناقض والاختلاف والتفاوت، وعقلُه عاجزٌ عن وضعِ هذا المقياسِ لتعلّق المقياس بالتشريعِ، الذي يعجزُ عنه عقل الإنسان، أو هواه، وهو حق للخالقِ سبحانه وتعالى، وقد بينا في موضع سابق عجزَ الإنسان عن وضع مقياس واحد.

 

يضاف إلى ذلك أن الإنسانَ قد تُرِكَ له أن يختارَ مقياسَه، وهو هنا موضع التكليف، وهو هنا موضع الثواب والعقاب، فإن اختار المقياس الذي شرعه اللهُ سبحانَه وتعالى سُعِدَ في دنياهُ وفازَ في آخرته، وإن اختار غيرَه شَقِيَ في دنياهُ، وخسرَ في أخراه.

 

ولكن المشكلةَ عند كثير من الناس هي في ظنهم أو ظنِّ بعضِهم أن الهدايةَ جبريةٌ، أي أنهم يفهمون بعض نصوص الشرع على ظاهرها، دون ربطها بغيرها من النصوص الشرعية الأخرى، ونجدهم هنا يتحكمون، فيفهمون ما يريدون، فيصنعون العقدة بأنفسهم، وهي أنهم ينتظرون أن يهديهم اللهُ تعالى، دون أن يبادروا هم باختيار الهداية، فإنَّ الله تعالى قد هداهم بأمرين:

 

-وضع فيهم قابلية اختيار النظام والمقياس والهداية، وجعله مناطَ التكليف، يترتب عليه الثواب والعقاب. يقول الحق سبحانه: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)

 

-هداهم، أيْ بَيَّنَ لهم الطريق الصحيح ليختاروه، يقول الحق جلَّ وعلا: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)، ويقول أيضاً: (الم ،  ذَلِكَ الْكِتَاب ُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ،  والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ، أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فهذا الكتاب هو الهدى للمتقين بهذه المواصفات، يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزل على من سبقه من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ويوقنون بالآخرة، هؤلاء على هدى من ربهم، وهم المفلحون والفائزون.

 

والذي يدلُّ على وجوب مبادرةِ الإنسانِ باختيارِ الهدى، حتى يتحصَّلَ على المزيدِ منه باستمرار، قوله تعالى في سورة مريم: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)، وقوله سبحانه وتعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) وقوله تعالى في سورة العنكبوت: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، فعلى الإنسان أن يبدأ باختيار الهداية المنزلة من الله تعالى، ومن اختار الهداية فإنّ الله سبحانه وتعالى يزيده هدايةً واستمراراً على الخط المستقيم، ولكن إن أبى الإنسان واختار الضلال فإن اللهَ سبحانه سيمُدُّ له في ضلاله، ويهيئُ له أسبابَه، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ) فإن اللهَ سبحانَه هو الذي يبدأ بالبيان والهداية، ويعرضها على عباده، فمن اختارها زاده الله هدى، بأنْ هيّأ له أسباب الهداية والاستمرار فيها، ومن رفض هدى الله، واختار الضلال، فإنَّ الله تعالى يزيدُهُ في ضلاله بتهيئة أسبابه، والله تعالى لا يجبر أحداً من الفريقين على ما يهيئه له، ولا تعدو كونها تهيئةً وتوفيقاً، انظر إلى قوم ثمود كيف هداهم الله فرفضوا هدايته!! يقول الله سبحانه وتعالى عنهم في سورة فصلت: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى  الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فإنهم رفضوا الاهتداء بهدى الله الذي أرسله إليهم مع رسوله صالحٍ صلى الله عليه وسلم.

 

ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة مريم: (قُلْ مَن  كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) توكيداً للمفهوم السابق بيانه.

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير

أبو محمد – خليفة محمد – الأردن

 

 


 

لمتابعة باقي حلقات السلسلة

 

اضغط هنا

 

OQdaKubra

 

 

 

al3uqdato-lkobraa-wal3oqad-assyghraa-24.pdf