Take a fresh look at your lifestyle.

العقدة الكبرى والعقد الصغرى – الحلقة الثامنة والعشرون

 

العقدة الكبرى والعقد الصغرى

 

الحلقة الثامنة والعشرون

 

 

حاديَ عشر: عقدة اليأس

 

اليأسُ هو القنوطُ وانقطاع الأمل من الحياة بعامة، أو انقطاع الأمل من أمرٍ ما، أو أمور معينة يريدها الإنسان، فيفقد الإنسان الأمل في إمكانية تغيُّر الأحوال والأوضاع والأمور من حوله.

 

يقول اللهُ سبحانه وتعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ  لَيَئُوسٌ كَفُورٌ)، وكلمة (يئوس) صيغةُ مبالغةٍ على وزنِ فَعول، تدل على المبالغة في اليأس وكثرته وشدته، ومن حالات حصوله انتزاع اللهِ سبحانه وتعالى منه رحمةً كان أذاقَه إياها.

 

ومع أنّ اليأسَ عملٌ من أعمال القلبِ، إلا أنّ القرآن وصفَه بأنه من أعمال الكفر والضلال، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ  رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ).

 

وذكر القرآن الكريم سبب اليأس عند الإنسان في قوله تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ  إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)، فالإنسانُ المجرَّدُ يقنطُ وييأس إن أصابته سيئةٌ، وهو كذلك إن انتزعت منه رحمةٌ أذاقه الله تعالى إياها.

 

واليأس نوعان: يأس من رحمة الله، وهو منهيٌّ عنه، وعدّ نوعاً من الكفر والضلال كما ذكرنا، ويأسٌ من أمرٍ من أمور الدنيا.

 

يعدُّ اليأسُ من الأمراض النفسية المؤثرة سلباً على حياةِ من يُصابُ به، إذ يدفعُهُ إلى الابتعاد عن الناس والانطواء على نفسِهِ، إضافةً لما يصيبُهُ من قلقٍ دائمٍ، واضطرابٍ في مشاعرِهِ وسلوكاتِه، وإحساسٍ مستمرٍّ بالتشاؤمِ، وبعضُ الناس يستطيع تجاوزَ ما ينتجُ أحياناً من يأسٍ من بعض الأحوالِ والمواقف، لكنَّ منهم من لا يستطيع تجاوزَه، أو محوَ آثاره، فيمتدُّ معه ليصيرَ مرضاً نفسياً مزمناً.

 

ومن الأسبابِ التي فيها مظنةُ إنتاج اليأسِ عند الناس أو بعضهم:

 

-الفشل في عمل أو أعمال، أو الفشل المتتالي.

 

-المعاملة الخاطئة للأطفال، والمعاملة بقسوة باستمرار. ومثل ذلك معاملة الأنظمة مع شعوبها بالطريقة نفسها.

 

-غرس الخوف في نفس الإنسانِ صغيراً أو كبيراً، وانتزاع الشجاعة منه. سواءٌ أكانَ من قبلِ الأهلِ بالنسبة للطفل، أم من قبل الأنظمة والحكومات في بث الرعب في نفوس شعوبها.

 

-تعرض الشخص لمواقف قاسية جداً تفوق طاقة احتماله.

 

-الخوف من المتاعب المستقبلية سواءٌ أكانَ الخوف حقيقياً أم مُتوهّماً.

 

-الشيخوخة وكبر السن والهرم، مع الخوف من عدم وجود معينٍ للشخص حين هرمه.

 

إنَّ الحلَّ الصحيحَ للعقدةِ الكبرى بالعقيدة الإسلامية يُبْعِدُ عن صاحبه أيَّ احتمالٍ للإصابةِ باليأسِ، حيثُ تدخُلُ جملةٌ من المفاهيم التي جاءت بها العقيدة الإسلامية في الوقاية من وقوعِ الإنسانِ في اليأس، ونذكر هنا ما يتيسر لنا من هذه المفاهيم وكيفية وقايتها من اليأس:

 

-مفهوم القضاء والقدر، يعالج كل يأس يمكن أن ينشأ عن ابتلاءات تصيب الإنسان، فالمؤمنُ بالله تعالى، وأنّه فعالٌ لما يريد، يؤمنُ أنّ ما أصابَه لم يكنْ ليخطئَه، وأن ما أخطأه لم يكنْ ليصيبَه، وأنّ ما أصابَه إنما هو بعلمِ اللهِ تعالى وإرادتِه، وأنّ موقفَه مما يصيبُه إنما هو الرضا والتسليم، والصبر والاحتسابُ، فينالُ الأجرَ والثواب، ويستمرُّ في حياته آمناً مطمئناً رغم ما يصيبه. ويكونُ البلاء دافعاً للإنسانِ لأن يراجعَ نفسَه، ويحاسبَها، ويتفقدَ سيرَ أعمالِهِ وموافقتها لأوامر الله تعالى ونواهيه، خشيةَ أنْ يكونَ ما أصابَه إنما هو لبعض ذنوبه، ليستغفر ويتوب، ولا يعودَ إلى مثلِهِ مرةً أخرى.

 

-مفهوم الرزق، وأنّه من عند الله سبحانه، وأنَّ ما أصابَهُ منه إنما هو من عندِ الله تعالى، بعلمِهِ وتقديرِه، وأنّ ما فاتَه منه فإنَّه ليس رزقَه، وليسَ مقسوماً له، فلا يأسى على فواته ولا يتحسر، بل يرضى ويقنَعَ بما أوتيَه، وأنّه هو الخيرُ له، فلا يقعُ في اليأس.

 

-مفهوم التوبة والاستغفار، فبيقين الإنسانِ أنّه عرضةٌ للخطأ والذنب والمعصية، وأنّ اللهَ تعالى يقبلُ توبةَ عبده، ويغفرُ له ذنبه، فلا يقعُ في اليأس نتيجةَ موقفٍ سابقٍ بدرَ منه، ولا يشكّلُ الماضي له عقدةً تؤثرُ في نفسه، فالله هو التواب الرحيم، الذي يقبل توبةَ عبدِهِ التائبِ إليه. يقول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن  رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

 

-مفهوم الخوف من الله وحدَه، والخشيةِ له وحده، يحلُّ عند الإنسانِ عقدة الخوف من غيرِه، سواءً كان الذي يخافُ منه شخصاً، أو شيئاً أو عملاً أو أيَّ أمر آخر، فالذي ارتضى الحلَّ الصحيح للعقدة الكبرى بالعقيدة الإسلامية لا يخافُ غيرَ اللهِ تعالى، فلا يقعُ في اليأس، ولا يتطرّقُ إليه.

 

-مفهوم الرجاء، وحصر الرجاء في الله تعالى، فهو المالك الحقيقيُّ سبحانه لكل شيءٍ، فالذي ارتضى الحلَّ الصحيحَ للعقدةِ الكبرى لا يرجو غيرَ الله تعالى، ويوقنُ أنَّ ما عندَ الله قريبٌ، وأنّه يتوصلُ إليه بطاعة الله سبحانه، فلا يقعُ في اليأس لأنه لا يرجو غير الله، فالذي يقعُ في اليأس هو الذي يرجو غيرَ الله فلا يتحقق له ما يرجوه فييأس.

 

-مفهوم التوكل على الله: إنَّ المتوكّلَ على الله لا يقعُ في اليأسِ، لأنه معتمدٌ في كل أمورِهِ على الله تعالى، والله تعالى لا يخيبُ ظنَّ عبدِه به، فمن ظنَّ بالله خيراً كان له خيراً، ومن ظنَّ به غيرَ ذلك كان له كما ظنّ، فالمتوكل على اللهِ لا يتطرّق إليه احتمالُ اليأس، ليقينه أنَّ له عندَ الله كلَّ ما يريد، منه ما هو في الدنيا، والكثيرُ في الآخرة.

 

-مفهوم الاستقامة على أمرِ الله سبحانه وتعالى، وعلى طريقه المستقيم، يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فالذين آمنوا بالله تعالى، واستقاموا على الطريقة التي أراد لا خوفٌ عليهم ولا يحزنون، وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ  الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ  الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ  وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ، نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) بل إن الملائكة تتنزل عليهم قائلين لهم: لا تخافوا ولا تحزنوا، ويبشرونهم بالجنة التي وعدهم الله سبحانه وتعالى إياها، فكيف ييأس من لا خوفٌ عليه ولا يحزن، ومن بُشِّرَ بالجنة؟

 

أما اليأسُ الذي زرعتْهُ الأنظمةُ والحكوماتُ، وقام الإعلام المرافق بتعزيزِهِ في نفوس الناس، فإنه قد استولى على أكثر الناس فترة من الزمن، ولكن الأمةَ بدأت تنفضُ عن نفسِها غبارَ الزمن، لتتخلص من يأسها من تغيير هؤلاء الحكام، الذين ساموها صنوف الذلِّ والهوان، والتعذيب والتقتيل.

 

وإن الذي ارتضى الحلَّ الصحيحَ للعقدةِ الكبرى لا يقعُ في اليأس من هؤلاء الحكام ومن أنظمتهم، واستمرَّ يعملُ طوالَ فترة الإذلال لتغيير هذه الأنظمة وهؤلاء الحكام، متخذين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قدوتهم في تغيير مجتمع مكة بعد إقامة الدولة الإسلامية، وجاعلين غايتهم رضوان الله تعالى، لم يبالوا بما أصابهم في سبيل الله وسبيل دعوته ورسالته من سجن أو تعذيب أو قتل أو تجويع أو بعد عن الأهل والأحبة، متمثلّينَ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام فأمره ونهاه فقتله)، لم ييأسوا من حالةِ الأمةِ وسباتها الطويل، تعلّقت آمالهم باللهِ سبحانه وتعالى، وثبتوا على الحق، واستقاموا على الطريقة، واليوم نرى الأمة قد بدأت تطرقُ أبوابَ النصر، ولم يبق إلا إذنُ الله سبحانه وتعالى برفع ظلم الحكام عن الأمة، والانطلاق في حمل الإسلام إلى الشعوب والأمم الأخرى، لتطرقَ أبواب الدول العظمى اليوم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرقه أبواب الدولتين العظميين في زمانه، وكما فعل صحابته بإكمال المسيرة من بعده فورثوا هاتين الدولتين العظميين، والأمة بإذن الله ستفعل اليوم كما فعل قدوتُها صلى الله عليه وسلم من قبل، وكما فعل الصحابةُ الكرام رضيَ الله عنهم.

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير

أبو محمد – خليفة محمد – الأردن

 

 

al3uqdato-lkobraa-wal3oqad-assyghraa-28.pdf