Take a fresh look at your lifestyle.

صندوق النقد الدولي كفيل وفاء للحكومة الأردنية

 

صندوق النقد الدولي كفيل وفاء للحكومة الأردنية

 

 

الخبر:

 

ذكر الدكتور ممدوح العبادي الوزير الأردني لشؤون رئاسة الوزراء في مقابلة مع التلفزيون الأردني أنه يعتبر صندوق النقد الدولي بمثابة كفيل وفاء للحكومة…

 

التعليق:

 

كفيل الوفاء تعبير عشائري أردني بامتياز يستعمل في العطوات والصلحات العشائرية، حيث يتم تعيين طرف يكون قادرا على إلزام من لزمه الحق المعنوي أو المادي بالوفاء للطرف الآخر المستحق للمال أو الجاه أو (تطييب الخاطر). ويعتبر كفيل الوفاء لدى العشائر ذا قيمة اعتبارية عالية لما يتميز به من الكرم والشهامة وسعة الصدر والمقدرة على التوفيق بين المتخاصمين وإجراء الصلح بينهم.

 

لذلك فإن الوزير حين يلصق صفة كفيل الوفاء بصندوق النقد (النحس) الدولي فإنه يمنحه صفة جليلة لدى العشائر الأردنية، وغالبية الشعب في الأردن عشائري. ما يعني أن الحكومة وبالتالي من انطلت عليه فرية كفيل الوفاء سيعملون بكل طاقتهم ويبيعون ما تحتهم وما فوقهم ويوفرون لقمة عيالهم حتى لا يظهروا أمام الكفيل أنهم بواقون (لا سمح الله). وذلك أنه في الأردن العشائري حين تتم الصلحة العشائرية على أن يتعهد الطرف الذي اقترف الجناية بأن يدفع مثلا 40 ألف دينار فإن كفيل الوفاء خاصة حين يكون من العشائر الكبيرة يلزم هذا الطرف بتوفير المبلغ ودفعه حتى لو اضطر أن يبيع بيته وأرضه وأن يسوح في البلاد يشحد اللقمة من الناس.

 

فإضفاء صفة كفيل الوفاء على الصندوق لها وقع كبير وآثار جمة. وقد جاء على ذكر بعضها الوزير فقال: “فلو أن الكفيل طلب منا أن نأكل الدجاج بدل اللحم فله ذلك، أو نركب الباص بدلا من التكسي فله ذلك”. بمعنى أنه يجب أن نوفر المال اللازم للدائنين كيفما اتفق، خاصة أن الكفيل حارس أمين لديون الدائنين. والدائن هنا ليس طرفا آخر كما هو الحال في القضايا العشائرية. فالدائن هنا هو الأخ الشقيق للصندوق وهو البنك الدولي وما يلحق به من أندية الربا كنادي باريس مثلا.

 

المهم أيها الإخوة أن الحكومة الأردنية بهذا الموقف اعتبرت صندوق النقد صاحب ولاية وسلطان على أموال الشعب، واعتبرت المال الذي استدانته وأودعته في حسابات كثير من الفاسدين الذين لم يتم محاسبة أي منهم، اعتبرت هذا المال دينا لازما في أعناق الشعب كله وبالتالي من الطبيعي أن يقوم الناس في الأردن بدفع ما لديهم من مدخرات وأموال حتى لا يغضب الكفيل وعلى تعبير أهل الأردن (لا نسوّد وجهه).

 

الغريب أن صندوق النقد هذا وشقيقه البنك الدولي لا يجدون من يقرضونه ويستبيحون عيشه وشعبه إلا في الدول المسماة نامية أو متخلفة والتي يبلغ فيها معامل الفساد أكثر من 100%. فلو دققت في قروض البنك الدولي لوجدت أغلبها في دول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا، وهي دول أكثر ما تشتهر به الفساد، بمعنى أن القرض الذي يأخذه الأردن لبناء قناة بين البحرين تجده تحول إلى دين عضال والقناة لم تجر بها قطرة ماء واحدة!!

 

والقرض الذي أقض به البنك مضاجع تشيلي لبناء سكة حديد مترامية الأطراف، تجد القرض لا يزال يمتص دماء الناس في تشيلي والقطار لم ينفث في الفضاء كتلة دخان واحدة… وهكذا فالبنك الدولي وصندوق النقد يقدمون القروض لحكومات فاسدة، وهم يعلمون أن الحكومات لن تتمكن من السداد، فليس لها مشاريع إنتاجية تستطيع من خلالها توفير الأقساط، بل إن المشاريع الاستهلاكية كخط الباص السريع على طريق الجامعة الأردنية لا يتم إنجازه. وبالتالي لا مندوحة أمام كفيل الوفاء إلا أن يجلس في وزارة المالية ويراقب كل فلس في الدولة، ويحصي على الناس أنفاسهم ويمد يده دون وجل ولا حياء في جيوب الناس، والحكومة راضية بل ومدافعة عن تصرفاته وبرامجه المشينة، كيف لا وهو بالنسبة لها كفيل وفاء، والقضية كلها عند الحكومة ليست إلا عطوة عشائرية، الطرف المجرم فيها هو الشعب فلا بد أن يدفع ما عليه، والطرف المجني عليه هو المسكين البنك الدولي.

 

وحتى نكون منصفين، فلو أن الشعب في الأردن كان صاحب سلطان، أي لو أن الشعب بسلطانه وإرادته ومن خلال الحكومة التي نصبها هو الذي تمادى وتخطى الأسس الشرعية وتجاوز الحرمات وأخذ القروض وهدر المال لقلنا “يداك أوكتا وفوك نفخ”، وعليك أن تتحمل مسؤولية التهور والوقوع في شرَك الدائنين. تماما كما يحصل حين يتهور سائق سيارة ويدهس طفلا في الشارع عليه أن يتحمل المسؤولية وأن يلتزم أمام كفيل الوفاء.

 

أما في حال البنك الدولي وأخيه الصندوق، فالأمر يختلف. فكما ذكرنا فإن البنك لا يكاد يقترب من أي دولةٍ السلطانُ فيها للشعب، إلا في حالات نادرة، وحتى حين يفعلها كما حصل في اليونان فإنه يلجأ إلى أسياده ليقوموا بالسداد والوفاء لأن الشعب قد يصل إلى درجة يقول فيها إلى الجحيم أيها البنك أنت وصندوقك اللعين. لذا فشيطان العصر البنك الدولي يعلم أين مكامن السلب والنهب والاستغلال، والتي تتوفر في دول ليس للشعوب فيها أيُّ سلطان، وليس للحكومات فيها أيةُ إرادة. فيعيث فسادا كيفما شاء، وينتقي من البيدر أنقى الحبوب، ومن الجدول أعذب الماء، ومن الشعب أصفى الدماء.

 

لقد تحركت في الأردن مسيرات ومظاهرات تندد بالشظف الناشئ عن برامج التصحيح التي يفرضها الصندوق وتتبناها الحكومة. ومرة أخرى يتحرك الحراك في اتجاه خاطئ أو منقوص. حيث إنه لم يكن للبنك الدولي أن يُغرق البلد في دين لا طاقة بسداده لو كان السلطان في الدولة للأمة، ولو كانت الأمة تستمد سيادتها وسلطانها من شرع الله. فحينها وحينها فقط تتمكن الأمة من الخلاص الدائم من آفات الصندوق والبنك اللعينين. وحينها فقط تتمكن الأمة من بناء اقتصاد ذاتي يمكّنها من الإنتاج الدائم، ومن توزيع الثروة بشكل عادل، ومن امتلاك مقود التقدم والنهوض بكافة شؤونها. إن الحل لا يكمن في تغيير حكومة واستبدال أخرى بها، أو بتغيير رأس الحكومة، أو بحل مجلس النواب. الأمر أكثر عمقا وتعقيدا من ذلك. الدولة ليس فيها اقتصاد قائم على الإنتاج، وليس فيها قاعدة صناعية، بل لا تملك إرادتها السياسية في أهم القضايا ومنها الاقتراض من البنك بكفالة الصندوق.

 

﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. محمد ملكاوي

 

 

2017_02_27_TLK_3_OK.pdf