التعديلات الدستورية في السودان… واستمرار المؤامرة على الإسلام
الخبر:
إن التعديلات الدستورية التي دفع بها إلى البرلمان السوداني مؤخراً لإجازتها، أثارت جدلاً واسعاً داخل المجتمع السوداني، وقد تركز الجدل في نقطتين جوهريتين: حرية الاعتقاد (اعتقاد الأديان والمذاهب والأفكار، وحرية المرأة في الزواج. حيث أعطت هذه التعديلات كل إنسان الحق في اختيار أي عقيدة أو دين، أو رؤية مذهبية، وله أن يمارس أية شعائر دينية، وأن يتخذ مواقع لعباداته، ولا يُكره أحد على دين معين، أو مذهب معين، كما أعطت جواز التزاوج بين الذكر والأنثى بالتراضي والتعاقد مباشرة أو بوكالة.
التعليق:
لقد كانت لهذه التعديلات، والتي هي في أصلها من مخرجات الحوار الوطني، كانت لها هزات ارتدادية داخل المؤسسات والكيانات والأفراد في المجتمع، فقد رفضتها هيئة علماء السودان، ومجمع الفقه الإسلامي، الذي قال: (إنها تبيح الكفر بالله، والخروج عن الإسلام، وتؤدي إلى فوضى تقود إلى مزيد من التنافر والتحارب). وكذلك رفضتها جماعة أنصار السنة، على لسان رئيسها (إسماعيل عثمان)، حيث انتقد مقترح الزواج بالتراضي وإسقاط الولاية، وذكر أن هذه التعديلات تفتح الباب للتشيع والإلحاد.
لكن حزب المؤتمر الشعبي دافع عن هذه التعديلات على لسان أمين الدائرة العدلية أبو بكر عبد الرازق، حيث وصف الذين يهاجمونها بأنهم يقدمون نموذجاً كهنوتياً مرفوضا. وقد تمسك بها زعيم كتلة النواب المستقلين أبو القاسم برطم، واعتبرها من مخرجات الحوار الوطني، ولا يحق حتى للبرلمان أن يجري أي تعديل عليها.
هذه نماذج من المعارك حول التعديلات الدستورية؛ التي اقتصرت مناقشاتها حول النقطتين السابقتين، وعن مخالفتهما للإسلام، وهو أمر جيد أن يتم تناولهما من زاوية العقيدة الإسلامية، ولكن المثير للاستغراب حقاً، هو أن يتم التركيز عليهما، بينما الدستور برمته لا علاقة له بالإسلام، بل إن واضعيه قد عمدوا إلى أن لا يكون للدولة دين رسمي تتبناه. فلماذا إذن التركيز حول هاتين النقطتين فقط؟ إن هذا الجدل يذكر بالجدل الذي دار حول دستور عام 1998م، والذي تركز النقاش فيه على مسألة (التوالي السياسي) ومعانيه، وتناسوا أصل الدستور، ومصادر التشريع فيه، حتى تم تمريره كما هو. إنها من باب سياسة صرف النظر عن القضايا الأساسية، والانصراف إلى قضايا فرعية، لتمرير مؤامرات تفتك بالأمة، من تحت الجسر، دون أن يعبأ بها أحد، أو أن يلتفت إلى خطورتها أحد.
إن الدستور هو القانون الأساس الذي تؤسس عليه حياة الناس، فإذا أريد له أن يكون دستوراً دائماً وراسخاً ومحترماً عند الناس، فلا بد أن يكون مبنياً على عقيدتهم، كما هو حال سائر الأمم العريقة، وإذا دعت الضرورة إلى تعديله، أو إضافة أي مادة فيه، فلا بد من الرجوع إلى العقيدة الإسلامية، فيكون دستوراً مبدئياً ينهض بالأمة، ويحدث الرقي والتقدم، لا كما هو الحال اليوم في بلاد المسلمين، تجرى التعديلات والإضافات والإلغاء أحياناً لتناسب هوى الحاكم واستمراره في السلطة، أو لتمرير مؤامرة، أو لتقوية نفوذه إذا أحس بضعف ملكه أو تهديد كرسيه.
إن أول وثيقة وضعها المسلمون لتكون دستوراً لهم، هي وثيقة المدينة، التي جعلت كل شيء مرده إلى الله ورسوله، وقد أحكم المسلمون بعدها، ولقرون عديدة متتالية، هذه الوثيقة، فجعلوها نبراساً لحكمهم، فقادوا العالم وسادوا الدنيا. وما تنكب المسلمون الطريق، إلا بعد أن جعلناها وراء ظهورنا. فلا بد من العودة إليها، فوحدها هي طريق العزة والنهضة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس/ حسب الله النور