الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الخامسة عشرة
ميزان النفس
النفس في الإنسان هي مجموعة الدوافع والمشاعر والميول.
فالمشاهد المحسوس على الإنسان أن لديه دوافع من حاجات عضوية يسعى لإشباعها حتى لا يموت، ولديه غرائز تدفعه لإشباعها، ويصاحب تلك الدوافع مشاعر وميول، ولذلك قلنا إن النفس هي مجموعة الدوافع والمشاعر والميول، فهذا التعريف مطابق لواقعه.
ومن جهة بنائه على العقيدة، فهناك الكثير من الآيات دلّت على هذا المفهوم، نذكر بعض الآيات. يقول الله سبحانه نقلاً عن السامريّ: (وكذلك سوّلت لي نفسي)، فالذي سوّل له اتخاذ العجل هو نفسه، أي دوافعه الغريزية. وقال سبحانه على لسان يعقوب عليه السلام: (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) فأنفسهم هي التي سوّلت لهم ما فعلوا، أي دفعتهم لفعل ذلك. ووصفت النفس بأنها أمارة بالسوء كما نقل سبحانه عن امرأة العزيز قولها: (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقال سبحانه عن أهل الجنة: (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ)، فالنفس فيها الشهوة وهي التي تدفع صاحبها ليقوم بالأعمال إشباعاً لتلك الدوافع النفسية أو الجسمانية.
قلنا إن المشاهد المحسوس في الإنسان أن لديه نوعين من الدوافع، هما:
– الدوافع الناتجة من الحاجات العضوية.
– الدوافع الناتجة من الغرائز.
ومع أن كلاً منهما نابع من نفس الإنسان، ولكن لا بد من درسهما منفصلين نظراً لاختلافهما في ناحيتين:
الأولى: ناحية جهة الإثارة لكل نوع منهما، أو مصدر الإثارة.
الثاني: ناحية ضرورة إشباع الدافع أو عدم ضرورة إشباعه.
فالحاجات العضوية حاجات يتطلبها جسم الإنسان لاستمرار حياته، كالأكل والشرب والنوم والإخراج.
وإثارتها داخلية، أي يطلبها جسم الإنسان، يطلب إشباعها، ففي حالة الجوع مثلاً ترسل إشارات عصبية للدماغ لطلب الطعام، فيأمر الدماغ بإفرازات معينة تجعل الإنسان يحس بالجوع ليندفع للإشباع، وكذلك باقي الحاجات المذكورة هنا، وغيرها من الحاجات العضوية فإثارتها داخلية.
ولا بد من إشباع هذه الحاجات، ولا يتوقف طلب الإشباع إلا بالإشباع، وإن استمرت حالة الطلب فترة من الزمان دون إشباع فإنه سيصل إلى حد الموت لعدم الإشباع.
فالحاجات العضوية إثارتها داخلية وإشباعها حتمي.
أما الغرائز فليست كذلك، فإن إثارتها خارجية، أي من الواقع الخارجي بالنسبة للإنسان، ويلحق بالواقع الخارجي الفكر، لأن حكمه من هذه الجهة كحكم الواقع الخارجي، فليس طلب إشباع مظهر غريزي ناتجاً عن نقص عضوي في جسم الإنسان، بل هو ناتج عن مشاهدة مثير ما، فيحس الإنسان بحاجته لإشباع ذلك المظهر الغريزي، أو هو ناتج عن التفكر في مثيرٍ ما، فيحس بالحاجة لإشباع ذلك المظهر الغريزي الذي أثاره المثير.
وبعد الإثارة للدافع الغريزي فالإنسان إما أن يشبع المظهر الغريزي، وإما ألا يشبعه، وفي حال عدم إشباعه تصيب الإنسان حالة من القلق والتوتر، وينتهي الأمر عند الإنسان في حالة عدم الإشباع بتغيير الجوّ النفسي بأن يفكر في أمر آخر، أو يقوم بعمل يخرجه من الجوّ الذي كان فيه.
فإشباع الغرائز ليس حتمياً، بل إن إشباعها يحقق للإنسان الرضا المؤقت أو الدائم بحسب بناء شخصيته. . وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً إن شاء الله.
فالغرائز إثارتها خارجية، وإشباعها غير حتمي.
والغرائز عن الإنسان ثلاث: البقاء، والنوع، والتدين.
غريزة البقاء بمظاهرها تدفع الإنسان للارتقاء بوجوده وبقائه واستمراره.
وغريزة النوع تدفعه لإيجاد علاقات مع بني نوعه الإنساني.
وغريزة التدين تدفع الإنسان للإحساس بالحاجة لمن هو أقوى منه وأعلم منه وأعظم منه، ولمن هو أقدر على التدبير والتنظيم.
وغريزتا البقاء والنوع متعلقتان بالحياة الدنيا.
وغريزة التدين تتعلق بما قبل الحياة الدنيا وبما بعدها.
ولكل واحدة منها مظاهر عديدة، فمن مظاهر غريزة البقاء: حب الحياة، وكراهية الموت، والتملك، والإيثار، والأثرة (الأنانية )، والعدوان، وحب السيادة، وحب الذات، وحب الذكر، وغير ذلك.
ومن مظاهر غريزة النوع الميل الجنسي بين الذكر والأنثى، وحب الأولاد، والبنات والأحفاد، والآباء والأمهات والأجداد، وصلة القربى والأرحام، وصلة الجار والصديق. . وغير ذلك من العلاقات مع بني نوعه.
ومن مظاهر غريزة التدين: الإحساس بالضعف، والنقص، والمحدودية، والاحتياج، والإحساس بالعجز عن إكمال نقصه واحتياجه ومحدوديته وضعفه، ومن أهم مظاهر غريزة التدين مظهر التقديس.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن