Take a fresh look at your lifestyle.

الهدن… قراءة سريعة في مفعولها وغاياتها

 

الهدن… قراءة سريعة في مفعولها وغاياتها

 

 

 

الخبر:

 

وصلت حافلات (التهجير) صباح اليوم الأربعاء إلى كلٍّ من مضايا والزبداني في ريف دمشق، وبلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب، استعداداً لخروج الدفعة الأولى من مهجّري المناطق المحاصرة. (المصدر: موقع كلنا شركاء)

 

التعليق:

 

ثمة قاعدة ذهبية يقول معناها: (الثورة لا تفاوض، لا ترضى أنصاف الحلول، سبيلها فحسب التغيير الجذري الشامل)، بناء على تعريف الثورة وفهم طبيعتها ندرك من فورنا أن أي ثورة يسلك المتصدرون لها والمعنيّون بشأنها مسلك المفاوضات مع خصمها والأطراف المناوئة لها فإنها حتمًا تكون قد جرّت نفسها لوادٍ سحيق، وشردت عن غاياتها السياسية، وذهبت في طريق الفشل كلّ مذهب، هذا الوصف ينطبق على المفاوضات العامة الكلية التي تقرّر مصير الثورة وترسم شكل النظام السياسي لمرحلة ما بعد الثورة: (مفاوضات جنيف)، وينطبق على المفاوضات الجزئية التي ينبثق منها هدن وتسويات ومصالحات: (هدنة الزبداني/الفوعة)، إن سيف المفاوضات أشد إيلامًا وأبلغ أثرًا في جسد الثورة من سيف الحرب، فما عجز النظام عن حيازته بالمعركة حازه بالهدنات والاتفاقات، وأبرز ذلك:

 

 أخرج كثيرًا من المناطق عن دائرة الصراع، مما وفر له قوة وطاقة أعانته على خوض المعركة وأكْلِ مناطق أخرى بتؤدة وتركيز، خاصة مع الضعف البشري الذي يكابد مرارات.

 

أضعف الروح المعنوية والقتالية عند عدد من الثوار، فبعد أن كانت المعارك على أشدها، ولطمات المجاهدين تحيط بنظام بشار وأشياعه من كل جانب، جاءت تلك الهدن لتُخمِد الهمم وتضعف العزائم وتبطئ السير نحو العدو.

 

أوجد المشاكل وصنع شيئًا من التوتر وعدم الثقة بين الثوار أنفسهم من جهة، أو بينهم وبين قواعدهم وحاضنتهم الجماهيرية من جهة أخرى، إذ الناس وعموم المجاهدين يريدون طعن النظام وتكسير أضلاعه وفعل ما يوجبه الشرع ومنطق الأشياء عليهم إزاءه، بينما للهدن تكاليفها المناقضة لرؤيتهم وطموحهم.

 

إن اتفاق (الزبداني/الفوعة) الذي تم أواخر أيلول 2015، لم نرَ فيه أثرًا من وعي سياسي وتدبير ذكي مطلقًا، ولم نلمح فيه تقاطعًا مع “صلح الحديبية”، وما كان نصرًا تاريخيًا للإسلام!! – كما وصفه بذلك أحدهم – إنما كان مفتاح شر كبير على الثورة، وسُنّة سيئة استتبعت بعدها اتفاقات شبيهة على طول البلاد وعرضها أتعبت الثورة وقلّصت نفوذها، ولا تخفى على متابع واعٍ أيادي الدول الإقليمية وفي مقدمتها تركيا لإبرام الاتفاق وإتمامه وتثبيته، مما يؤكد ذلك إطلاقُ فرقة من “الحشد الشعبي” تابعِ إيران سراحَ 25 معتقلًا تركيًا بعد توقيع الاتفاق بساعات، بل إن ما يزيد الأمر تأكيدًا هو عدم نقض الهدنة أو التخلي عنها من قبل الفصائل الموقعة عليها مع ما صاحبها من خروقات عظيمة كان عاقبتها دماء وأرواح وممتلكات الكثير الكثير ممن يُفترض أن يشملهم وقف إطلاق النار!!.

 

لا ريب أن الاتفاق الحادث هذا – وقبله اتفاقات عدة – يساهم في جريمة التغيير الديمغرافي (السكاني)، والتي تعتبر هدفًا عظيمًا للنظام وأسياده، إذ بهذا التغيير يؤمّن النظام بضوء أخضر أمريكي دمشقَ وما حولها – أو ما يسمّى حزام دمشق – مِن خصومه ومَن يشكّل خطرًا عليه في قادم الأيام فيضمن بذلك عاصمته ومركز قوته وحياته، وبهذا التغيير يسهل على أمريكا تقسيم سوريا – لا قدّر الله – إن استعصت عليها الثورة وصعب عليها دمج الفصائل مع نظام الطاغية تحت سلطة واحدة، فتُجزِّئ البلد إلى دويلات ضعيفة متخاصمة، وهذا لعمري ما يجعل حرمة مثل هذه الهدن أشد وأعظم مهما بحث البعض عن تأويلات شرعية لها أو ادّعى مكاسب وهمية تحصل من ورائها!

 

إن العمل لإسقاط النظام واضح جلي، لا تشوبه مؤتمرات وصفقات، ولا تداخله هدن أو مفاوضات… اجتماع المخلصين الواثقين بربهم والصادقين مع أمتهم من الثوار والمجاهدين تحت لواء واحد والانطلاق بخطة محكمة متقنة نحو دمشق لاقتلاعه وتطهير الأرض منه ومن رجسه وشروره، لا شك أن الطريق نحو دمشق ليس فيه محطة جنيف أو استراحة الأستانة…

 

﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أحمد سعد فتال

2017_04_19_TLK_1_OK.pdf