ما وراء الإقالات والاستقالات في إدارة ترامب؟
ما وراء الإقالات والاستقالات في إدارة ترامب؟
الخبر:
شهدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حركة استقالات وإقالات منذ الشهر الأول لها بالبيت الأبيض، وأغلب هذه القرارات جاءت في ملفي الجانب الأمني والإعلامي…
التعليق:
أولا: إنه من الطبيعي جدا حدوث إقالات واستقالات في أي إدارة سياسية سواء تعلق الأمر بإخفاق شخصية ما عن الارتقاء لمستوى المرحلة السياسية التي تفرض نفسها، أو بالمخاطر السياسية المحيطة بالأمة والكيان، أو بالملفات التي يراد فتحها… ومع مرور الوقت والتعامل مع الأحداث يظهر عجز شخصية ما أو عدم انسجامها مع طبيعة المرحلة أو طبيعة الدور بسبب طبيعة التباين والاختلاف في النظرة للأمور بشكل يحدث معه عدم القدرة على تحقيق المطلوب كما هو من خلال الإخفاق الكلي أو الجزئي فيتم اللجوء إلى الإقالة أو الاستقالة، ولكن هذا غالبا ما يظهر مع الوقت وليس من بداية التعيين، ولكن اللافت للانتباه في الإدارة الأمريكية الحالية أنه ظهر عليها وبشكل كبير الإقالات والاستقالات وفي مراكز حساسة في وقت ضيق وهذا ليس بالأمر الطبيعي مما يعني أن خلف هذه الأمور أزمة أو إشكالية كبيرة، خاصة وأن أمريكا ليست دولة يتحكم فيها فرد بصفة مطلقة وإنما هي دولة مؤسسات.
ثانيا: إن من يتحكم في أمريكا هم أدوات الدولة العميقة – كما يطلق عليهم – وحقيقة دور الإدارة السياسية أو الواجهة السياسية (الرئيس وإدارته) هو تنفيذ الرؤية السياسية مع هامش معين لهم حسب ما يعطى لهم، وصحيح أيضا أن العبرة بقوة الدولة هو وجود قيادات سياسية عملاقة قادرة على وضع الخطط الاستراتيجية – وهي محل الاعتبار والنظر – مع تعيين أدوات بانتخابات حرة شكلا من خلال التلاعب بالناخبين وتوجيه النظر بالفوز لمن أرادوا بحيث تكون هذه الأدوات قادرة على تنفيذ الخطط الاستراتيجية التي جيء بهم لأجلها والارتقاء بها واستخدام الوسائل والأساليب التي تحقق تلك الاستراتيجيات، ولكن في حقيقة الأمر قد أظهرت الأحداث عجز هذه الإدارة عن تحقيق الخطط الاستراتيجية المراد تحقيقها، حيث ظهر التخبط بالتعيين ابتداء والإقالة والاستقالة انتهاء، وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل أظهر مدى عجز وندرة الأدوات السياسية؛ مما يعني أن الأرضية والتربة التي تنتج السياسيين أصبحت مالحة جدا لندرة الأدوات مما ألجأ أدوات الدولة العميقة إلى التجارب، أو لعله بنظرة أعمق هو ضعف حقيقي في نظرة الأدوات العميقة لعملية اختيار الأدوات السياسية التي تصلح المرحلة، وهذا يعني أن الأزمة الأمريكية الداخلية بلغت حدا في العجز كبيراً، وهذا من مقدمات انهيار الدول عندما تعجز عن إنتاج السياسيين والمفكرين فيكون مؤشر السقوط كبيرا.
ثالثا: إن الأزمة في أمريكا ليست أزمة سياسية فقط بل هي أولا وأخيرا أزمة مبدئية بحيث عجز المبدأ عن إيجاد الحلول، لا بل أخذ الحلول من مبادئ أخرى تخالفه شكلا ومضمونا، وهي أيضا أزمة سياسية من خلال عجز التربة عن إنتاج سياسيين عمالقة مما حدا بالأحزاب السياسية الأمريكية أن تظهر تناقضها واختلافها وتصارعها على حساب الكيان السياسي المهترئ أصلا في قاعدته الفكرية وأعمدته السياسية، مما يعني أن هذا الكيان السياسي القائم هو كيان مثقل بالأمراض التي أرهقته وظهرت بوادر الشيخوخة عليه باكرا مع صغر عمر ارتقاء أمريكا العالمية، وهذا طبيعي جدا؛ لأن النهضة الأمريكية نهضة خاطئة وهي مؤقتة ولكن سقوطها أقرب من مثيلاتها من كيانات المبدأ مثل بريطانيا سابقا، بل هي تتكئ على عصا نخرها السوس وهي تحتاج إلى من يركل هذا الكيان ليظهر موته للعالمين ومثله كمثل عصا سيدنا سليمان عليه السلام في قوله تعالى في سورة سبأ: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: 14]، ليدرك العالم كله وخاصة الأمة الإسلامية عظم وهن هذا المبدأ والكيان الذي يتحكم في رقاب الأمة الإسلامية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان أبو البراء