تخبط الحكومة الإندونيسية في محاولاتها لحل حزب التحرير في إندونيسيا
تخبط الحكومة الإندونيسية في محاولاتها لحل حزب التحرير في إندونيسيا
الخبر:
أعرب وزير التنسيق للشؤون السياسية والقانونية والأمنية الجنرال المتقاعد ويرانتو أن إندونيسيا مهددة من قبل من ينتمون لـ”داعش”، لا سيما حينما رجعوا إلى بلدهم الأصلي، قائلا: “بلدنا يواجه الحركات العابرة للحدود المناهضة للدولة الجمهورية الإندونيسية الموحدة وبانتشاسيلا، وأنا أصرح أن حزب التحرير له علاقة وطيدة مع “داعش”. وأضاف أنه إذا حدثت حالات اضطرارية فإن رئيس الجمهورية له حق في أخذ القرار البديل للقوانين المطبقة. (ديتيك نوز، 2017/05/18)
التعليق:
إن عظم تأييد الشعب الإندونيسي لحزب التحرير في إندونيسيا بعد قرار الحكومة بحله لم تتوقعه الحكومة الإندونيسية سابقا، حيث جاءت الردود على قرار الحكومة قاسية من أطراف واسعة، فقد أتت هذه الردود من قبل أعضاء مجلس النواب كما صرح بها السيد هداية نور وحيد (رئيس البرلمان سابقا)، والسيد فخري حمزة من حزب العدالة والرفاهية، والسيد فضلي زون من حزب كيريندرا، وغيرهم، ومن قبل أعضاء مجلس العلماء وزعماء المنظمات الإسلامية الأخرى، ومن قبل الخبراء القانونيين والمحامين كالسيد يوسريل إحزا ماهنيدرا (وزير القضاء وحقوق الإنسان سابقا، ورئيس حزب القمر والنجم)، والسيد بشرى مقدس (رئيس لجنة مكافحة الفساد سابقا)، ومن قبل العلماء وأصحاب المعاهد والمشيخات البارزة الآخرين.
وقد وجهت هذه الردود إلى الإساءة في تطبيق قانون المنظمات الشعبية وإلى تجريم الحكومة لفكرة الخلافة حيث اعتبرتها الحكومة خطرا على البلاد. أما من حيث التطبيق فواضح أن الحكومة قد انتهكت القانون، لأنها لم تقم بإجراءات نص عليها القانون المطبق لأجل حل أي منظمة شعبية، وهي إفراغ الجهود الحوارية، ثم الإنذارات المتكررة، ثم الإيقاف عن العمل والمساعدات المالية، ثم الحل إذا احتاج الأمر إلى ذلك، وهذه الإجراءات بحاجة إلى وقت طويل، لا كما تعجلت الحكومة في بيانها وروجته وسائل الإعلام العلمانية بأن حزب التحرير في إندونيسيا قد تم حله رسميا من قبل الحكومة. وأما فكرة الخلافة فهي من أعظم أحكام الإسلام، وبالتالي فإنها لم تكن مناهضة لبانتشاسيلا حسب ما نص عليه قانون المنظمات الشعبية، حيث ذكر هذا القانون أن المراد بالفكرة المناهضة لبانتشاسيلا هو الفكرة الشيوعية والماركسية واللينينية وليس الإسلام.
نظرا لهذا، فكرت الحكومة أن تسلك طريقة أخرى لحل حزب التحرير، وجاءت الاقتراحات من عدة مؤسسات حكومية، حيث صرح رئيس وكالة استخبارات الدولة الجنرال بودي كوناوان بأن الدولة يمكنها أن تعتبر الحالة الاضطرارية في حل حزب التحرير، وبالتالي أن تسلك طريقة أخرى غير القانون المطبق لإدارات المنظمات الشعبية، وأعقب هذا التصريح تصريح وزير الداخلية طبقا لتوصيات المحكمة العليا أن الحكومة يمكنها أن تصدر اللوائح الحكومية البديلة للقانون. ولكن اتخاذ هذا المسلك ليس أمرا سهلا أيضا، فأي حالة اضطرارية سببتها دعوة حزب التحرير؟ وأي أعمال عنف مارسها حزب التحرير حتى يقال إنه يهدد الدولة؟ إن تعذر على الحكومة البيان حول هذه التساؤلات فلا شك أنها هي التي قامت بممارسات تعسفية على الحركات الإسلامية.
وما هي إلا أيام من تصريح وزير الداخلية هذا حتى اقترح رئيس المحكمة الدستورية أ. جملي الصديقي، قائلا إن الحكومة لا يمكنها أن تصدر اللوائح البديلة للقانون وإنما يمكن لرئيس الدولة أن يصدر القرار وهو المسمى بقرار رئيس الدولة، فلا حاجة إلى إصدار القانون الجديد لحل حزب التحرير. لا شك أن هذا المقترح أشد تعسفا حيث يذكّر الشعب الإندونيسي بما حصل لحزب مجلس الشورى للمسلمين (مشومي) الذي تم حله من قبل الرئيس سوكارنو بمجرد قرار رئيس الدولة. فجاءت الردود عليه أشد قسوة، حيث قال السيد يوسريل إحزا ماهنيدرا (رئيس حزب القمر والنجم، وأحد المرشحين لرئاسة الدولة سنة 1999م) “إن قيام الرئيس جوكووي بهذا المسلك هو انتهاك للقسم على منصبه وتعرض على الإقالة”.
هذا من حيث الإجراءات فقد حصل التخبط من قبل الحكومة الإندونيسية في محاولاتها لحل حزب التحرير في إندونيسيا، ما يجعل الشعب الإندونيسي يتساءل عما يدفع الحكومة الإندونيسية إلى هذا التعجل. أما من حيث اتهامها لحزب التحرير فقد أتت بافتراءات شنيعة، وآخر ما جاءت به بعد فشلها في تجريم فكرة الخلافة، هو أن حزب التحرير له علاقة بتنظيم الدولة كما صرح وزير الأمن، وأنه حركة تكفيرية كما صرح الأمين العام لنهضة العلماء حلمي فيصل زيني المؤيد لقرار الحكومة حيث قال: “هم اعتبروا بانتشاسيلا الطاغوت المغاير للخلافة العثمانية، وهم سموا آباءنا كفارا، فلا شك أن هذا سيحدث القلق والتفرقة في جسد الأمة”.
لا شك أن هذا الاتهام هو افتراء فظيع على حزب التحرير. أما العلاقة مع تنظيم الدولة فيكفي تصريح حزب التحرير منذ أن أعلن التنظيم خلافته؛ أنها خلافة غير شرعية وأن تنظيم الدولة نفسه قد حارب حزب التحرير وقتل شبابه كما حصل للأخ مصطفى خيال أسد حزب التحرير الذي اغتاله تنظيم البغدادي. وأما اتهام التكفير فلا يقول بذلك إلا جاهل بحزب التحرير أو حاقد عليه، فكيف يقال إن حزب التحرير يكفر من لا يوافق رأيه؟ فقد نص الحزب في بعض كتبه “ولذلك لا يصح أن يقول حملة الدعوة عن فهمهم، أن هذا هو رأي الإسلام، بل عليهم أن يقولوا عن رأيهم، إن هذا رأي إسلامي” لأن في الأول من القوة في التعبير بالتأكيد وتعريف طرفي الجملة والإتيان بضمير الفصل ما يدل على أن حزب التحرير يعتبر أن لديه الحقيقة المطلقة، وهذا لا يجوز، وأما الثاني فيدل على مجرد التأكيد دون الحصر. نعم إن هناك أموراً قطعية في الإسلام يخرج منكرها عن الإسلام، كمن يجحد فرضية الصلاة وحرمة الزنا مثلا، وهذا أمر معلوم عند الأمة. أما إيراد النصوص التي تنفي الإيمان أو القرائن التي تتعلق بالإيمان في بيان بعض الأحكام، مثل حديث رسول الله r«ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية» فهو يدل على أن الأمر جازم أي حكمه واجب كما تقرر في الأصول، وهو مثل قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ في دلالته على جزم الأمر، لا على أن كل من خالفه كافر.
لأجل كل هذا التخبط، سواء من حيث الإجراءات أم الأسباب التي تتذرع بها الحكومة لحل حزب التحرير في إندونيسيا، فعلى الحكومة الإندونيسية أن تتراجع عن مخططها لحل حزب التحرير، لأن الافتراء ما أدى إلا إلى الافتراءات الأخرى التي هي أشد شناعة وفظاعة وتكشف كل شرور أصحابها، وأن الخضوع لرغبات الكفار والمستعمرين لا يوصل إلا إلى خسران الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أدي سوديانا