Take a fresh look at your lifestyle.

ألمانيا والدور القادم

 

ألمانيا والدور القادم

 

 

 

الخبر:

 

دعا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية، مارتن شيفر، اليوم الجمعة، إيران إلى تجنب أي أعمال من شأنها زيادة حدة التوتر في الخليج، وذلك في إشارة إلى أزمة قطع العلاقات الدبلوماسية بين قطر وعدد من الدول العربية.

 

التعليق:

 

أولا: تقع ألمانيا في وسط أوروبا، ويحدها من الشمال: بحر الشمال، والدنمارك وبحر البلطيق، ومن الجنوب: النمسا، وسويسرا، ومن الشرق: بولندا، والتشيك، ومن الغرب: فرنسا، ولوكسمبورغ، وبلجيكا وهولندا.

 

تبلغ مساحتها: 357.021 كلم مربع، ويبلغ عدد سكانها 81,751,602 نسمة، وهي تعتبر الدولة الأكثر عدداً وكثافة بالسكان في دول الاتحاد الأوروبي وهي أيضاً ثالث أكبر دولة من حيث عدد المهاجرين إليها.

 

ثانيا: لقد سبق أن عارضت ألمانيا في زمن المستشار الألماني جيرهارد شرودر القيام بأي عمل عسكري أمريكي ضد العراق، ولا زلنا نذكر كيف حاول الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن القيام بضغوط كبيرة على شرودر من أجل الحصول على الدعم الألماني في الحرب التي كانت الإدارة الأمريكية تعد لها. إلا أن شرودر قاوم الضغوط الأمريكية وأصر على رفض تقديم الدعم للحرب على العراق عام 2003.

 

ثالثا: لقد بدأت أمريكا تلاحظ “شبه تمرد” ألماني على أمريكا وكيف تحاول ألمانيا أن تتصدر أوروبا في مواجهة أمريكا وبخاصة أنها تصدرت الكثير من المواقف الأوروبية وتسعى لفرض نفسها كقوة عالمية، حتى بدون امتلاكها للأسحلة النووية مع ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي توفر المناخ السياسي لبروز القوة الألمانية من حيث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي كانت سببا رئيسيا في منع الوحدة الأوروبية ثم ضعف السياسة الأمريكية خاصة في عهد ترامب وبروز ساسة جدد في فرنسا من خارج الأحزاب التقليدية، بالإضافة إلى عوامل القوة الألمانية الذاتية. ولقد ظهر هذا الأمر بشكل جلي في تصريحات المسؤولين الألمان، فقد وجه وزير الخارجية الألماني سيغما غابرئيل انتقادات حادة للرئيس الأمريكي ترامب ووصف سياسته بأنها “قصيرة النظر” وأن أمريكا تحت قيادته لم يعد لها موقع قيادي في المجتمع الدولي الغربي، ونقل عن الوزير الألماني قوله (إن تحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “أضعفت” الغرب. وأضاف أن “أي شخص يعمل على تسريع التغير المناخي من خلال إضعاف حماية البيئة، ويبيع المزيد من الأسلحة في مناطق النزاع ولا يرغب فى حل النزاعات الدينية سياسيا، يعرض السلام في أوروبا للخطر”، مؤكدا أن سياسات واشنطن “القصيرة النظر تلحق أضرارا بمصالح الاتحاد الأوروبي”.)، وقد جاءت تصريحات الوزير الألماني بعد يوم واحد من تصريحات صادمة هي الأخرى للمستشارة الألمانية ميركل (أعلنت أنغيلا ميركل أنها اقتنعت أخيرا أنه لا يمكن لأوروبا بعد اليوم أن تعول على الآخرين، في إشارة إلى واشنطن التي مارست خلال الأيام الأخيرة ضغوطا كبيرة لانتزاع مكاسب من حلفائها. وقالت ميركل: “لقد ولى الزمن الذي كنا نتكل فيه بالكامل على الآخرين. هذا ما أدركته في الأيام الماضية… يجب علينا نحن الأوروبيين أن نأخذ زمام أمورنا بأيدينا…”).

 

وأخيرا إن المشهد الأوروبي مقبل على مزيد من البروز للقيادة الألمانية على المستويين السياسي والاقتصادي، وما يشير إلى هذا ويؤكده هو تَصدُّر المسؤولين الألمان للرد على السياسات الأمريكية، وإعلان رغبة ألمانيا بنقل الخلاف مع أمريكا إلى العلن… وهذا إن توسع كثيراً فإنه سيخلخل أوروبا بشكل كبير، وقد يدفع في نهايته إلى تسلح سريع لألمانيا ومن العيار الثقيل وهذا مشروط:

 

– بتوفر الإرادة السياسية والقرار السياسي، وفيما يبدو أنه متوفر حسب المعطيات الحالية خاصة وأن جميع الأحزاب الألمانية سلطة ومعارضة مجمعة على هذا الدور

 

– وإذا لم تتدارك أمريكا ما هي عليه من سياسات إقصائية

 

– وبسرعة إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والعمل بوتيرة مغايرة لما كانت عليه.

 

كل هذه العوامل إن توفرت سوف تجعل من ألمانيا دولة كبرى بلا شك.

 

لقد ورد في كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير ما نصه (وأما ألمانيا فإنها من حيث الشعب الألماني، والدولة الألمانية في التاريخ كانت تعتبر دولة كبرى، ولكنها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية سقطت عن اعتبارها دولة كبرى تماماً مثل سقوطها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى؛ ولذلك فإنه كما عادت بعد الحرب العالمية الأولى بقليل دولة كبرى، فإنها من الممكن أن تعود دولة كبرى مرة ثانية مهما طال الزمن، وتحرُّكُها مع فرنسا في بعض القضايا الدولية يدل على ذلك).

 

وورد أيضا (ويلاحظ مؤخراً في السياسة الألمانية أنها بدأت تظهر اهتماماً متزايداً في النواحي العسكرية والسياسية ذات البعد العالمي، ومن الأمثلة على ذلك مساهمتها المتزايدة في نشاطات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، وفي البوسنة، وكوسوفا، ومشاركة وزير خارجيتها في نشاطات سياسية مع نظيريه الفرنسي والبريطاني، كما حصل في الزيارة الثلاثية للوزراء الثلاثة لإيران، والضغط عليها من أجل قبولها بالتوقيع على بروتوكول إضافي، للتفتيش المباغت على منشآتها النووية، ومنها أيضاً قيام ألمانيا بدور نشط في الوساطة الناجحة في مسألة تبادل الأسرى بين الكيان اليهودي وحزب الله.

 

وهكذا فإننا نرى تطوراً في السياسة الألمانية يتمثل في الخروج من الدور الانعزالي السابق، الذي جعل ألمانيا تنكفئ على النواحي الاقتصادية فقط، بحيث أصبح المراقب يلاحظ دور الألمان السياسي المتعاظم الذي بدا وكأنه مكافئ ومساوٍ للدور الفرنسي والدور البريطاني).

 

وختم الكلام بقوله في المفاهيم السياسية (وإذا أرادت ألمانيا تسريع عودتها دولةً كبرى، فيجب أن تبادر إلى الصناعة الحربية، وتجعلها قضيةً مصيريةً لها. وكذلك أن تكون واعيةً سياسياً على لقاءاتها مع فرنسا وبريطانيا، حيث إنه ومن المعلوم أن فرنسا وبريطانيا تسعيان إلى تسخير الاتحاد الأوروبي من أجل دعم نفوذهما الدولي، وأنَّ فرنسا تتقوى بألمانيا لتبرز هي في أوروبا، وبريطانيا تستعمل دهاءها السياسي في لقاءاتها مع فرنسا وألمانيا لتحقيق مصالحها هي. فالواجب على ألمانيا، وإن استمرت في التنسيق مع فرنسا خاصة، وباقي دول الاتحاد بشكل عام، أن تلتفت هي نفسها لأن تكون قوة عسكرية ذات ثقل سياسي ألماني داخل الاتحاد، لكي لا تسخر فقط من أجل مصالح الآخرين. وأن تراقب الموقف الدولي من منظور ألماني لا أوروبي، ولتتخذ من تاريخ أوروبا موعظة).

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حسن حمدان

2017_06_18_TLK_3_OK.pdf